- 1 -
(السيدةُ التي صارتْ موسيقى للبحر)
بكتْ أجراس الظلام..
انطفأتْ شموع الصلوات..
ولم أرَ وجهك يلتمع في الريح
وجهك الذي صار نشيداً قروياً..
يسافر مع دخان القطارات والحرائق
وجهك الذي صار بلا مرايا..
في حكايا المدينة .. وحقائب الفصول
بحثت عنك..
في معطف الصباحات الحزينة ..
في الغروب المبلل بالصدى..
في الأزقة والدروب الموحشة ..
في الحدائق والمقاهي..
بين الزحام.. وفي وجوه العابرين..
تكسّرت زهور الجليد على نوافذي..
ولا قمر يطلُّ في المساء..
تصدّع الايقاع في النشيد
ولا عشبة تنبت من الجدار..
شاخت العتمة.. وشحبت المصابيح..
ولا ظل يطرق الأبواب
كل مساء .. هو جرح في الأغاني
كل صمت.. هو ضجيج في الذاكرة ..
كل أمس... ما زال يمضي ...
**
في حقيبتي صورة لبحّار غريب
صار سنديانة في جزيرة نائية ..
صورة لمحارب قديم
صار طائراً حجرياً فوق قمته..
وصورة أخرى للعالم الأبكم..
وهو يحدق في عيون الشمس
أنا القادمة من الرحيل إلى الرحيل..
سأهجر عالم الصقيع.. وزرقة البحر..
سأهجر ما تبقى من صور..
وأحلق بعيداً.. كالموسيقى
بلا عربات.. ولا أجنحة..
- 2 -
أغنية من جليد
لم يبك ..مثل ليل طاعن في الذكرى
ولم ينطفىء ..مثل نجمة في المرايا ..
كان يمنح قلبه للبحر..ويغني
يزرع النجوم في حدائق الشتاء..ويغني
يعلق صورة قاتله على الجدار..ويغني
يصافح ظله المبتور...
ويغني
يغني...فترقص الستائر الشاحبة في الظلام
وتبكي شمعتان من جليد
بعد موته...كان يطوي السماء في معطفه....ويغني
وظل يغني..
حتى صار صوته دمعة تشع من أعالي الضباب
وتغسل صباحات العالم..