4ملايين يعملون خارج قانون التقاعد والضمان الاجتماعي
ريبورتاج
2020/11/15
+A
-A
مــــآب عامـــر
لا شيء يمكن أن يجعل طالب حياوي يشعر بالأمان والاستقرار، كلما وضع رأسه على وسادته ليلا أكثر من ألا يفكر بإمكانية استغناء صاحب العمل عن خدماته بدعوى أنه لم يعد يتمكن من تحمل خسارات العمل، وتوفير راتبه الشهري الثابت، كما يقول حياوي، "ينتابني القلق وعلى نحو سيئ يسبب لي قلة النوم خشية طردي من عملي يوماً ما".
هذا القلق جاء بعد أن عمد صاحب معمل لصناعة المعجنات والخبز، والذي يعمل فيه حياوي منذ (13) عاماً، إلى تسريح بعض العاملين معه من دون مبررات مقنعة أو أية التزامات حقيقية أو ضمانات مالية وقانونية.
ربما، السؤال الأكثر أهمية هنا يتعلق باستسلام العمال لهذا الواقع القاسي، ومعاناتهم لما يجري لهم من استغلال، والتخلي عنهم بعد كل سنوات خدماتهم هذه، من دون تعويض؟
حقوق العمال وخبراتهم
المشكلة أن حياوي، وهو من بين العاملين في القطاع الخاص الذي بات بسبب إهمال قوانينه وأنظمته مؤخراً لا يُعير أهمية لأية اعتبارات لها صلة بحقوق العمال وخبراتهم أو بسنوات الخدمة الطويلة، فلا يستمتع هؤلاء بعد طردهم أو الاستغناء عنهم بمكافأة نهاية الخدمة، أو بتعويض مالي، سوى لدى عدد محدود من أرباب القطاعات الخاصة.
ويندرج ماجد حميد (49عاماً) ضمن القطاع نفسه، فطيلة الأشهر الثلاثة الماضية، هو يعاني من فقدان عمله في شركة لبناء الدور والعقارات بسبب الأزمة المالية التي عصفت في البلاد مؤخراً.
ويرى حميد أن جهوده التي بذلها بحثاً عن فرصة عمل جديدة، "لن تنتهي"، ويقول، إن "ذلك يدفعه للشعور بأن قطاعات العمل الخاص في البلاد لا يفكر أصحابها إلا بمكاسبهم وأرباحهم في كثير من الأحيان، ومن دون أن يأخذوا في الحسبان سنوات خدمة العامل وخبرته وكذلك المخاطر العديدة التي يتعرض لها خلال تلك السنوات".
إنّ ثمة حافزا قوياً يدعو حميد وغيره من العاملين في هذا القطاع أو المطرودين تعسفاً منه، للمطالبة بقانون يحفظ حقوقهم المنتهكة وحياتهم المستغلة التي نادرا ما يتم التفكير بضياعها. ويعترف حميد عن ذلك بقوله "لا أحد ينظر بجدية لما يعانيه العامل وخاصة الذي يعمل براتب شهري لا يسد قوت يومه"، فبسبب هذا الحال يُرجع حميد تعرض حياته الأسرية لخلافات ومشكلات مستمرة لا خلاص منها".
الخسارات والديون
ومع ذلك يعتقد البعض من أرباب الأعمال أو أصحابها أن حلم التعويض المالي الذي ينتظره العامل حال الاستغناء عن خدماته من المستحيل تحقيقه.
وحتى يتفادى خطر الإفلاس ومن ثم الانهيار يكافح ناظم خليل (61عاماً) لإنقاذ ورشته المخصصة لصيانة السيارات عبر التخلي عن عمالها وموظفيها بالتدريج، رغم يقينه أن الوقت قد تأخر كثيراً ولم يعد مناسباً بشأن محاولاته في تقليص الخسارات والديون.
"إننا نعمل في بيئة غير عادية ومليئة بالمخاطر والصعوبات"، بهذه العبارة يبرر خليل هذه الأمور عند التخلص من عامل ما. وذلك في وقت يقول فيه عمال في القطاع الخاص إنه لطالما كان يشعر أرباب الأعمال بأن ما يهمهم في مثل هذه المواقف الكيفية انها تقلل التبعات المالية عند اتخاذ إجراءات الاستغناء عنهم.
لكن عندما اضطر خليل إلى أن يستغني عن خدمات اثنين من عماله كان يركز آنذاك فقط على التوقيت المناسب لإبلاغهما بتسريحهما من العمل، وفي الدوافع التي تقف وراء قراره هذا، " فهو يشعر دائما بأن ثمة خسارة فادحة له في حال منح الذي يقوم بالاستغناء عن خدماته في العمل تعويضات مالية"، موضحاً أن، "البعض يفرط في تحيزه للعامل في القطاع الخاص، ولا يأخذ بعين الاعتبار ما يواجهه أصحاب الأعمال من ضغوط وكذلك خسارات تدفعهم لخيار وحيد من دون ارادتهم لاتخاذ قرار تسريح العمال".
ويعتقد خليل أن هذه المعاناة كلها لا ترجع ببساطة إلى القائمين على القطاع الخاص من أرباب الأعمال، بل إلى الوضع العام، والذي من شأنه في كل مرة أن يعيق أية خطوة للعمل في بيئة داعمة ومستقرة، "والأهم من ذلك، بيئة ضامنة لحقوق العاملين في القطاع العام من أصحاب مهن وأعمال إلى عمال وكسبة"، وفق تعبيره.
الضمان الاجتماعي
ونتيجة لذلك، أقدم وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي قبل أيام، على إطلاق حملة تفتيشية كبرى في سبع محافظات وتستمر لمدة 14 يوماً، لضمان حقوق العاملين في القطاع الخاص.
وتفيد الأرقام التي أعلن عنها الوزير، بأن هناك "أربعة ملايين من العمالة المحلية العراقية يعملون في القطاع الخاص غير خاضعين لقانون التقاعد والضمان الاجتماعي ولم يتم اجراء الاستقطاعات المطلوبة أو استيفاء التوقيفات التقاعدية التي نص عليها قانون التقاعـــــــــــد والضمان الاجتماعي من رواتبهم والتـــــــي تشكل ضمانة لهم".
وفي العادة تودع استقطاعات التقاعد في صندوق الضمان الاجتماعي - حسب الوزير- هو تمويل ذاتي يكون ضمانة لهم عند الاحالة على التقاعد وبلوغ مدة الخدمة التي تحتسب لأكثر من (15) عاماً.
في المقابل، شهد قانون التقاعد والضمان الاجتماعي مؤخراً، مساعي كبيرة في معالجة الثغرات التي ظهرت بقوانين رواتب القطاع الخاص المشمولين بالضمان الاجتماعي.
وبموجب مسودة مشروع تعديل قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، يحق للعامل في القطاع الخاص من الناحية القانونية أن يكون له راتب يساوي الراتب الذي يتسلمه الموظف المتقاعد من القطاع الحكومي في حال التصويت عليه من قبل مجلس النواب العراقي.
وفي هذه الحالة يمكن أن ينظم وضع العمال والعلاقة مع رب العمل، ومنح امتيازات لفئة العمال وحفظ حقوقهم عبر استقطاع (5 ٪) من أجور العامل وما يعادل (12 ٪) من رب العمل في شركات القطاع الخاص تدفع لصندوق التقاعد والضمان، فتصبح النســـــــبة (17 ٪) من مجموع الأجر الذي يتقاضاه العامل تدفع شهرياً، وفق تصريح وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي.
الضمانات الصحيَّة والماليَّة والقانونيَّة
وحتى تعديل قانون التقاعد والضمان الاجتماعي غير كاف لمواجهة ما يتعرض له العامل في القطاع الخاص، يعقب الخبير الاقتصادي جاسم خالد على ذلك، قائلاً إن " العمال في القطاع الخاص بحاجة كبيرة لإصلاحات سريعة في قوانين العمل الخاص، وتحديدا في قدرة أرباب العمل على الاستغناء عنهم بسهولة ومن دون أي تعويضات".
إذ يرى الخبير أن "كل شيء في البلاد يعطي الأولوية لأرباب الأعمال الذين لا ينصفون من يعملون معهم بشكل غير آمن ونظامي في الغالب".
وبسبب ضعف القوانين المتعلقة بتنظيم العمل الخاص، يرصد الخبير، لجوء البعض من أرباب العمل إلى استغلال هذا الأمر لتأخير دفع أجور العمال ومستحقاتهم المالية أو امتناعهم عن زيادة مرتباتهم الشهرية، أو حتى السماح لهم بالعمل في مهنة إضافية لتحسين أوضاعهم المادية، إضافة إلى حرمان هؤلاء من الضمانات الصحية والمالية، وكذلك الضمانات القانونية عندما يعارض أن يكون بينهما (عقد عمل) يضمن بشكل قانوني وقضائي الحقوق المتعلقة بالطرفين.
وهذه الانتهاكات، بنظر الخبير، تعيدنا لعصور (استعباد العمال واستغلالهم)، مشيرا إلى أن استمرار حال العمال بهذا الشكل قد يدفعهم للانتحار أو اللجوء إلى ارتكاب الجرائم المنظمة أو التورط بها، وهو ما يحدث اليوم بالفعل، حسب قوله.
ربما هذه التحديات التي تواجه العامل في القطاع الخاص، تجعل كل عاطل عن العمل يفضل التوظيف الحكومي أو العمل في القطاع العام، كي يشعر بالأمان والاستقرار، كلما وضع رأسه على وسادته ليلاً لينام بعمق من دون أن تخطر في باله إمكانية الاستغناء عنه قبل انتهاء خدمته وفق القانون.