زينب صاحب
لعلني من القلائل الذين لم تستهوهم لعبة العصر"البوبجي"، إلا أن انصياع الجميع وهوسهم بها من الرجال والنساء صغارا وكبارا أستوقفني ولعدة مرات، فلا أدري ما السبب، اهو قضاء للوقت؟ ام تفريغ للطاقات؟ او يمكن ما تتيحه من علاقات وتعارف وما تقدمه من حريات؟، وبالتأكيد لا يختلف أحد على ان سلبياتها تفوق ايجابيتها، بل ويمكن ان الاخيرة معدومة اساساً، إلا ان "الشدات "التي يتم اقتناؤها من محال بيع الكروت والهواتف صارت هي أبرز مشكلات هذه اللعبة الألكترونية.
"رويال باس"
يوفر شريط "رويال باس" للاعبي "البوبجي" خيارات محدودة لتبديل ملابس ومظهر اللاعب الألكتروني، لذا يلجأ الأشخاص لتوسعة أدوات هذا الشريط من خلال شراء "شدات البوبجي" ليغيروا لون السلاح والشعر والأزياء، علي موفق (22 عاما) من مدمني اللعبة يرى ان شكل اللاعب الخارجي مهم، مثله مثل الفوز والتقدم بالمستويات.
فبعد وصوله للمستوى"بلاتينيوم" قال: "أشتري الشدات باستمرار ليكون شكل اللاعب مناسبا لما وصلت اليه من قوة في اللعبة".
وعلى الرغم من خطورة هذا الأمر على جميع الفئات العمرية، إلا أن الخطورة الأكبر تقع على الأطفال، فهناك أسر اشتكوا من صغارهم الذين دون سن الخامسة عشرة، ومنهم ام مصطفى التي لاحظت زيادة المصروف اليومي لابنها ابراهيم (11 عاما) بعد أن كثرت طلباته، ففي كل مرة يشتري بها "الشدة" يتحجج بشيء معين، الى أن اكتشفت الحقيقة وبدأت تمنعه من الشراء، ليتمرد عليها ويساومها بين اللعبة ودراسته وقد قالت لنا: "لم تعد هناك سيطرة على صغارنا ويأسنا من كل
الحلول".
موسم جديد
أحمد الطائي صاحب محل لبيع الهواتف في إحدى مناطق جنوب بغداد، تحدث لنا عن مرتادي محله لاقتناء "الشدات" والتي تبدأ من سعر (عشرة دولارات) وتأخذ بالتزايد مع زيادة توفيرها للأدوات في الشريط المذكور، وقد لاحظ أحمد كثرة اقبال زبائنه مع كل تحديث للّعبة والتي تحدث معها طردياً ذلك الشريط وقال: "لم تستثن الشدات أحدا، فحتى النساء يأتين لشرائها".أثناء تواجدي داخل المحل أقبل طفل ادعى ان عمره (13عاما) عندما سألته، وانما الحقيقة هي انه دون العشرة أعوام ويرافقه أخوه الأصغر، وكانت المصادفة عندما قال "عمو عندك شدة ام الـ15 الف" وحين سألته إن كان أهله على علم بما يفعل؟، أجاب بنعم، إلا أن تعابير وجهه لم تكن توحي بذلك.
سرقة
حينما ينخرط المراهقون وراء هذا النوع من الألعاب، فبالتأكيد لا يستطيعون توفير المبالغ المطلوبة لشراء "الشدات" فيقومون بسرقة المال من دون علم أهاليهم، مثلما حدث مع المواطن جعفر عندما اكتشف ان ابنته ذات (17 عاماً) تأخذ منه المال خلسة لتشتري هذه "الشدات اللعينة" كما أطلق عليها وقال: "هذا الجيل يعيش الضياع بكل نواحي الحياة".
وعن نور الدين (16 عاماً) حدثنا والده بقصة مشابهة، فهو الآخر يقوم بأخذ كل صرافة النقود المتبقية من مصروف المنزل عندما يذهب لشراء احتياجات والدته اليومية، ليجمعها ويشتري بها تلك "الشدات"، وعندما ناقشه والده عدة مرات لم يستجب له، بل والنتيجة جاءت عكسية وبدأ نور الدين بالانعزال عن الأجواء الأسرية، وبات متعكر المزاج ومشدود الأعصاب أغلب الوقت.يقول والد نور الدين "أشعر أن حالة ولدي تستاء، وهذا ما جنيناه من الألعاب والأنترنت".
أسباب وحلول
التدريسية اسماء عباس من مركز أبحاث الطفولة والأمومة بجامعة ديالى تحدثت لـ"الصباح" عن الآثار النفسية لهذه اللعبة على الأطفال والمراهقين وبوجه الخصوص شراء "الشدات" حيث قالت: "إن أساس هذا الادمان ينبع من أساليب المعاملة الخاطئة للأهل في تنشئة الفرد، فالخوف الزائد والعقاب المستمر واللوم والتوبيخ، تجعله يحاول التحرر من هذه الضوابط، فيلجأ الى الهروب من الواقع للحصول على الشعور بالقوة والمكانة والسيطرة"، واقترحت بعض الحلول للتغلب على هذا الادمان ومنها الانشغال بأعمال يدوية والتكاتف الأسري، وتحديد مبلغ المصروف اليومي، فضلا عن إشغال الطفل او المراهق بممارسة الرياضة ومراقبته باستمرار واعطائه وقتا للترفيه والخروج.