النصّار بين النمر والغراب

ثقافة 2020/11/17
...

  د. رسول محمد رسول
 
 
قال الشاعر محمد تركي النصّار في قصيدة له تحت عنوان (هجاء) نشرت في موقعه بالفيسبوك:
"بلدكَ غاطس 
في وحل التسميات
وأنتَ، 
يا سيدي،
مُنهك 
بشرح الحكاية الغربية
لإثبات 
كيف طار النمر على ظهر الغراب؟".
لم استغرب أنْ أقرأ مثل هذا الشعر وكنتُ نشأت في هضابه منذ بداية ثمانينات القرن العشرين حتى الآن عندما كان شعراء محدثون ومنهم (محمد تركي النصار) ينثرون القصائد بيننا بحب وكبرياء ليسهموا في بناء المشهد الشعري العراقي الحديث، وظل النصار يكتب الشعر بلا تردُّد وكم كان قوياً شأنه شأن شعراء جيله لكونه لم تعبث به/ بهم كل ما جرى في وطنه أو بلده/ وطنهم/ بلدهم، فهو اليوم يخاطب فلان بقوله:
"بلدكَ غاطس 
في وحل التسميات".
ها هنا كأنما المُخاطب هو الفرد العراقي أو فرد في مجتمع عراقي بوصف بلده غاطس في ألف وحل لكن الشاعر اصطفى "وحل التسميات" وهو وحل لا أعنف منه ولا أكثر منه تيهاً؛ ففيه تتبدّل المسميات من عاليها إلى واطيها ومن أقصاها يميناً إلى أقصاها شمالاً، والأعنف انقلاب القيم رأساً على عقب في مجتمع الشاعر وهو "المجتمع العراقي" على أقل تقدير فما عاد الخير لامعاً؛ بل هو مزيج من الظلمة المطليّة بالبرقع الزائف الذي يحجّ إليه الناس ويلهجون به زوراً وبهتاناً قصد ترضية النفس الضائعة، وأكثر إشكالية الوحل عندما يصبح قول الشعر والشاعر، وأبأس الوحل هو وحل التسميات لكونه يرتبط ببنية نفاقيّة تتموضع في المجتمع يعيش أعتى الترجل نحو الهاوية.
"وأنتَ، 
يا سيدي،
مُنهك". 
ها هنا تدور في رؤوسنا تسميات غير منظورة لمسميات قد تعبِّر عن مفردة "أنتَ" فربما تكون إنسانا، وربما تكون دالة على الشاعر نفسه أو نقيضه لكونها معقوبة بمفردة "يا سيدي"، ومن ثم معقوبة بصفة "منهك" لكونه "بشرح الحكاية الغربية"، وهنا تأخذنا التأويلات على "الحكاية الغربية" فلها دلالات عدّة على أن "الشرح" قد يكون متجسداً في العمل الملموس أو الممارسة الفكرية أو الأدبية أو الثقافية أو مجرّد الشرح العابر، ولكن ما له دلالة مغايرة هو تعلّق الشرح بالغربي وليس غيره كالشرقي ونحن جزء من الشرق، والمفارقة هنا أن "الشرح" يستهدف إثبات "كيف طار النمر على ظهر الغراب؟".
وهنا ربما بيت القصيد؛ فالشارح في لهوٍ بشروحاته الجانبية غير ذات الأهمية المتعلّقة بحياة الإنسان الجريح الذي هو جوهر الحياة برمتها، فالشارح يهدف إلى إثبات كيف صار النمر على ظهر الغراب؟ وكأن الجوهر هو هذه الصورة المفكّكة والمتناقضة لاسيما ونحن نغرق في هذه الصور الهزيلة فإيهما أكبر الغراب أم النمر، هكذا يغرق الوعي الفاسد في هكذا أسئلة فثمَّ إنسان يواجه النار الحارقة وغيره يسكن في الماء البارد ليتاجر به، وهكذا تناقض هو السائد في لعبة وجدلية الشر والخير الذي تريد قصيدة النصار قوله وهو تعليم وثقافة سائدة في وعينا الزائف الراهن في عصر التعاند المُر الذي نعيش، وهو ما تلفت القصيدة نظرنا إليه؛ فهذه القصيدة ليست عابرة إنما تدخل في جوهر حياتنا بكل ما فيها من لهو فارغ وأوهام وخدع واللعب الفني على استدراج عوالم الحيوان. إن القراءة عندي هي علاقة حميمية وليست نقدية تبحث عن العثرات.
 
قال الشاعر محمد تركي النصّار في قصيدة له تحت عنوان (هجاء) نشرت في موقعه بالفيسبوك:
"بلدكَ غاطس 
في وحل التسميات
وأنتَ، 
يا سيدي،
مُنهك 
بشرح الحكاية الغربية
لإثبات 
كيف طار النمر على ظهر الغراب؟".
لم استغرب أنْ أقرأ مثل هذا الشعر وكنتُ نشأت في هضابه منذ بداية ثمانينات القرن العشرين حتى الآن عندما كان شعراء محدثون ومنهم (محمد تركي النصار) ينثرون القصائد بيننا بحب وكبرياء ليسهموا في بناء المشهد الشعري العراقي الحديث، وظل النصار يكتب الشعر بلا تردُّد وكم كان قوياً شأنه شأن شعراء جيله لكونه لم تعبث به/ بهم كل ما جرى في وطنه أو بلده/ وطنهم/ بلدهم، فهو اليوم يخاطب فلان بقوله:
"بلدكَ غاطس 
في وحل التسميات".
ها هنا كأنما المُخاطب هو الفرد العراقي أو فرد في مجتمع عراقي بوصف بلده غاطس في ألف وحل لكن الشاعر اصطفى "وحل التسميات" وهو وحل لا أعنف منه ولا أكثر منه تيهاً؛ ففيه تتبدّل المسميات من عاليها إلى واطيها ومن أقصاها يميناً إلى أقصاها شمالاً، والأعنف انقلاب القيم رأساً على عقب في مجتمع الشاعر وهو "المجتمع العراقي" على أقل تقدير فما عاد الخير لامعاً؛ بل هو مزيج من الظلمة المطليّة بالبرقع الزائف الذي يحجّ إليه الناس ويلهجون به زوراً وبهتاناً قصد ترضية النفس الضائعة، وأكثر إشكالية الوحل عندما يصبح قول الشعر والشاعر، وأبأس الوحل هو وحل التسميات لكونه يرتبط ببنية نفاقيّة تتموضع في المجتمع يعيش أعتى الترجل نحو الهاوية.
"وأنتَ، 
يا سيدي،
مُنهك". 
ها هنا تدور في رؤوسنا تسميات غير منظورة لمسميات قد تعبِّر عن مفردة "أنتَ" فربما تكون إنسانا، وربما تكون دالة على الشاعر نفسه أو نقيضه لكونها معقوبة بمفردة "يا سيدي"، ومن ثم معقوبة بصفة "منهك" لكونه "بشرح الحكاية الغربية"، وهنا تأخذنا التأويلات على "الحكاية الغربية" فلها دلالات عدّة على أن "الشرح" قد يكون متجسداً في العمل الملموس أو الممارسة الفكرية أو الأدبية أو الثقافية أو مجرّد الشرح العابر، ولكن ما له دلالة مغايرة هو تعلّق الشرح بالغربي وليس غيره كالشرقي ونحن جزء من الشرق، والمفارقة هنا أن "الشرح" يستهدف إثبات "كيف طار النمر على ظهر الغراب؟".
وهنا ربما بيت القصيد؛ فالشارح في لهوٍ بشروحاته الجانبية غير ذات الأهمية المتعلّقة بحياة الإنسان الجريح الذي هو جوهر الحياة برمتها، فالشارح يهدف إلى إثبات كيف صار النمر على ظهر الغراب؟ وكأن الجوهر هو هذه الصورة المفكّكة والمتناقضة لاسيما ونحن نغرق في هذه الصور الهزيلة فإيهما أكبر الغراب أم النمر، هكذا يغرق الوعي الفاسد في هكذا أسئلة فثمَّ إنسان يواجه النار الحارقة وغيره يسكن في الماء البارد ليتاجر به، وهكذا تناقض هو السائد في لعبة وجدلية الشر والخير الذي تريد قصيدة النصار قوله وهو تعليم وثقافة سائدة في وعينا الزائف الراهن في عصر التعاند المُر الذي نعيش، وهو ما تلفت القصيدة نظرنا إليه؛ فهذه القصيدة ليست عابرة إنما تدخل في جوهر حياتنا بكل ما فيها من لهو فارغ وأوهام وخدع واللعب الفني على استدراج عوالم الحيوان. إن القراءة عندي هي علاقة حميمية وليست نقدية تبحث عن العثرات.