«شذرات تراثيَّة من مدينة الناصريَّة»

ثقافة 2020/11/18
...

  ريسان الخزعلي
 
 
(1)
شذرات تراثيَّة من مدينة الناصرية، كتاب الأستاذ حسين داخل الفضلي، مساهمة جادّة في تدوين التراث الشعبي لمدينة تمتد جذور تكوينها الى العمق السومري، هذا العمق الحضاري الذي منح العالم الكثير من ضرورات انوجاده واستمراره، تكوينيّاً وثقافياً. ويجيء هذا الكتاب في وقت تراجعت فيه الدراسات والبحوث التي تهتم بالفولوكلور (التراث الشعبي)..، ليس في ثقافتنا العراقية فحسب وإنما على مستوى أوسع يشمل الثقافات العالميَّة لأسبابٍ متعددة، من أهمها التطوّر التكنولوجي المتسارع والنقلة المعلوماتيّة الرقميّة، فضلاً عن ترفّع الكثير من المثقفين عن الخوض في مجالاته المتعددة لاعتقادات واهية تحاول أنْ تجعل من الثقافة الشعبيَّة هامشاً لا يقاوم الزوال، متعللين بطرقات الحداثة والنظريات الحديثة التي شوّهها سوء الاستيعاب كما شوّهت الاستيعاب هيَ الأخرى، في حين إنَّ الثقافة الشعبية تولد وتتكوّن يومياً متفاعلة مع التطورات والتحولات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.
من هنا يُمثّل هذا الكتاب تعقيباً نابهاً على كل الطروحات التي لا تحتفي بالتراث الشعبي والثقافة الشعبيَّة بصورة عامة، وذلك من خلال بحثه في تراث مدينة الناصرية وذي قار بصورة عامة، ما يوفّر فرَصاً سانحة للأجيال كي تطّلع على تراثٍ موغلٍ بالقِدَم وعلى طبيعة البنى الثقافية والاجتماعية المولّدة له.
 
(2)
بحث الكاتب في فصول كتابه: (ذي قار تاريخ وحضارة، التراث الشعبي في ذي قار - العادات والتقاليد، المحلات الشعبية، الشوارع، المقاهي، الأسواق، وسائل النقل، الأدوات المنزليَّة، المضايف، القضاء العشائري، التقويم الشعبي، الأسلحة التراثيَّة، المفردات التراثية في اللهجة الشعبية، إذ أحصى قرابة ألف مفردة، أسماء الأشخاص في التراث، لغة التخاطب، المجاملات التراثيَّة، كلام البلاغة والحكمة (الحسجة)، الأكلات الشعبيَّة، الألعاب الشعبية، المهن والصناعات الشعبية، التعليم والثقافة، الغناء والموسيقى، الحلي عند النساء، الألغاز، الحكايات والأساطير الشعبية، الطب الشعبي، الأمثال الشعبيَّة، الأدب الشعبي، الآثار والمزارات، رمضان ومحرّم في ذي قار، الشعراء، الشخصيّات والوجهاء).
وهكذا ألمَّ الكاتب بكل عناصر التراث الشعبي في ذي قار معززاً بحثه بمصادر تاريخيَّة واجتماعيَّة وأدبيَّة، وكذلك المقابلات الشخصيَّة مع رجالات المدينة، وشخصياتها اللامعة.
يقول المؤلف في مقدمته: "اعتمدت في كتابي تدوين جزءٍ من التراث الشعبي لمدينة الناصرية وذي قار بصورة عامة من أجل توثيق هذا الإرث الحضاري العريق الذي خلّفه لنا الأجداد، ولأجل أنْ يطّلع الجيل بعد الجيل على تراث هذه المحافظة التاريخيَّة التي اخترعت الكتابة في حدود 4000 ق.م.
إنَّ كتاب (شذرات تراثيَّة من مدينة الناصرية) يُعيدنا الى الصورة الأُولى، صورة العراقي السومري الذي قاومَ الطوفان إصراراً على الخلود، حيث لم يتمكن ذلك الطوفان من (اتونابشتم).