متعب مناف جاسم

الصفحة الاخيرة 2019/01/23
...

 جواد علي كسّار
يميّز عالِم الاجتماع العراقي الراحل متعب مناف جاسم بين حلقتين محورية ومحيطية؛ الحلقة الأولى هي نظرية علم الاجتماع ومنهجيته، والثانية الموضوع الذي هو المجتمع بجميع تخصّصاته، ومهما بلغت أهمية المجتمع، فلا ينبغي برأيه إرضاءه على حساب علم الاجتماع.
واحدة من أهمّ ثمار هذا التمييز أنه من المستحيل أو من الصعب نقل النظريات والمنهجيات المأخوذة من مجتمعاتٍ أُخر وتطبيقها تلقائياً وعلى نحوٍ جاهز، على ظواهر ومشكلات مجتمعية تُصنّف في نطاق المجتمعات الانتقالية، ومجتمعنا العراقي من بينها.
من ناحية أخرى يقوم النسق السائد لنظرية علم الاجتماع، على حلقات ثلاث، هي على الترتيب: الفكر الاجتماعي، النظرية الاجتماعية، وعلم اجتماع المعرفة. ينقد الراحل هذا التصنيف لأنه يسمح لرؤية غربية تقوم كما يقول على «الأنانية الحضارية» باستغلاله، وهي تُصادر جهد عقول جميع الحضارات الإنسانية المتعاقبة، وتؤسّس لنظرية الاجتماع مع المنجز الغربي من اوكست كومت (1798ـ 1857م)، ضاربة عرض الحائط التراكمية والتنوّعية والتعدّدية التي تحكم المعارف جميعاً، وفي طليعتها علم الاجتماع.
انطلاقاً من هذا النقد يُعيد الراحل الاعتبار لثمار ديانات وحضارات وثقافات وأمم وشعوب وبلدان من كلّ العالم، ساهمت في بناء علم الاجتماع وإثراءه نظرياً، بيدَ أن الوقفة الأهمّ بنظري هي تلك التي خصّصها للعمراني المسلم عبد الرحمن بن خلدون (ت: 808ه). فقد ابتكر ابن خلدون نظرية تقوم على ركنين؛ العلم وهو العمران، والنظرية وهي العصبية والدولة. وبذلك قدّم حلاً ذكياً لإشكالية المجتمع والدولة، قوامه: لابدّ للدولة من عمران أي مجتمع، ولابدّ للعمران (المجتمع) من دولة وسياسة. هكذا مضى ابن خلدون وهو يرى أن قوّة الدولة بعصبيتها، أما رفاه المجتمع فإنما يكون بتحضره؛ ودائماً على أساس حاجة الدولة للعمران (المجتمع) وحاجة العمران إلى الدولة، ضمن معادلة خلدونية مركبة تقوم على تقسيم العمل بين الدولة والمجتمع، من حيث أن المجتمع هو الذي يجعل من الدولة واقعاً مؤسّسياً مزوّداً إياها بالشرعية، وإن الدولة هي التي تعمل على أن يظلّ المجتمع رافهاً!
في قراءته هذه، يرى الراحل أن الحلّ الخلدوني لإشكالية مجتمع ـ دولة، تفوّق على أبرز ثلاثة اتجاهات تخويفية للحلّ، تمثلت بأعمال توماس هوبز وماكس فيبر وكارل ماركس، ولا تزال الرؤية الخلدونية لديها ما تعطيه على صعيد المجتمع والدولة معاً.
ربما يأتي هذا العمود باختزاله المخلّ وابتساره، بعكس الغاية المقصودة؛ هذه الغاية التي تريد أن تفتح نافذة تكريم معرفي لعالم الاجتماع العراقي الراحل متعب مناف جاسم، على الأقلّ من خلال التنويه إلى كتابه «تاريخ الفكر الاجتماعي»!