في العام 816، تجول راهب يدعى كوكاي، في المنحدرات كثيفة الأشجار بجبل كويا (كويا سان) بمحافظة واكاياما اليابانية بحثا عن موقع مناسب لإقامة مقر لنشر تعاليم طائفة شينغون البوذية، التي أسسها حديثا. ووقع اختياره على وادٍ عمقه 800 متر محاط بثماني قمم حادة تشبه أوراق زهرة اللوتس ذات الثمانية أوراق.
وبعد مرور 12 قرناً على وصول كوكاي إلى كويا سان، وبناء 117 معبدا، أدرجت منظمة اليونيسكو عالم كوكاي الروحاني في سلسلة جبال كيئي ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، ويعد واحدا من المواقع الأكثر قدسية في اليابان. فرائحة البخور التي تفوح في أرجائة وصوت إنشاد الرهبان حليقي الرأس والهواء المحمل برائحة الأضرحة القديمة المحفوفة بالأشجار، تضفي على المكان هالة روحانية منقطعة النظير.
والآن، يعد كويا سان جزءا من مسارات الحجيج المقدسة، حيث تبدو أشجار الأرز والسرو والشلالات المتدفقة وقمم الجبال المتوجة بالمعابد في بعض المناطق كما لو كانت معلقة بين السحب. وتستقطب هذه الشبكة من الأحجار المغطاة بالطحالب والمسارات الطينية التي تربط بين أضرحة كومانو الثلاثة الكبرى وبين كويا سان، نحو 15 مليون زائر سنويا.
وخُصص 50 معبدا من 117 معبدا في كويا سان، لإيواء الزوار، ويُعرف كل منها باسم «نُزل شوكوبو»، حيث يبيت الزوار ويتأملون ويتواصلون مع الرهبان. ومنذ أنْ حط كوكاي، الذي عرف بعد وفاته باسم كوبو دايشي، رحاله في المنحدرات المعزولة في كويا سان قبل أكثر من 1200 عام، لا يزال الناس يعتقدون أن روحه تسكن المكان في حالة تأمل أبدي.
تمزج قصة قدوم كوكاي إلى كويا سان بين الواقع والخرافات. فيحكى أنه قبل وصوله، درس البوذية الباطنية في الصين لمدة عامين، وعندما كان يستعد للإبحار إلى اليابان في العام 806، ألقى أداة شعائرية ذات ثلاثة رؤوس، تسمى سانكو في الهواء وقال: «لقد ورثت هذه التعاليم، فإذا كان هناك مكان جيد لنشرها فيه، رجاء اذهبي أولا وأرشديني إليه».
ويقال إن سانكو طارت نحو كويا سان. وبعد عشر سنوات، بينما كان كوكاي يتجول في الغابات، التقى صيادا وكلابه، وقد أراه الصياد سانكو عالقة في شجرة صنوبر. واليوم في المعبد الرئيس بكويا سان، الذي يعود إلى القرن السادس عشر، تبدو صورة الصياد والكلاب على لوحات النذور الخشبية، التي يكتب عليها الزوار صلواتهم للآلهة.
قبل أن يشرع كوكاي في بناء مجمع المعابد، كان عليه أن يحصل على ترخيص من المحكمة الإمبراطورية باليابان. ووافق الإمبراطور ساغا في عام 816 على طلبه. ومنذ ذلك الحين، انتشرت المعابد في كويا سان. ففي عهد إيدو بين عام 1603 و1868 بلغ عدد المعابد الصغيرة 1,000 معبد، شكلت في ما بعد 117 معبدا كبيرا.
لا تزال كويا سان، رغم كثرة الحافلات السياحية ومتاجر الهدايا الذكارية والزحام الذي يدل على أنها أحد المقاصد السياحية، تحمل عبق الماضي وتسودها أجواء روحانية. ويزور الموقع سنويا مليونا شخص، لكن 60 ألفاً منهم فقط غير يابانيين.
وترتبط حياة الغالبية العظمى من سكان بلدة كويا سان، الذين يبلغ عددهم 3,000 نسمة، ارتباطا وثيقا بمذهب الشينغون، فبعضهم رهبان أو راهبات وبعضهم يعمل في أنشطة ذات صلة بالديانة، مثل بناء شواهد القبور.
لكن أكثر المعالم لفتا للأنظار هو معبد «كونبون دايتو» المكون من طابقين ويبلغ طوله 47 مترا، ويزوه العباد لتطهير أنفسهم بوضع بخور قرنفل مركز عتيق على أيديهم ويصلون أمام تمثال برونزي لداينيشي نيوراي (المعبود الرئيسي في البوذية الباطنية). وهناك أربعة تماثيل لحراسة هذا التمثال البرونزي، و16 من الأعمدة التي تشكل مجتمعة خارطة ميتافيزيقية للكون.
لكن هايديوشي لم يكن على وفاق مع جميع أفراد عائلته، وأمر ابن شقيقه، بتنفيذ طقس الانتحار. وأطاعه ابن شقيقه وأقدم على الانتحار في غرفة بالمعبد أمام أبواب منزلقة مزينة برسم لطائر البلشون على شجرة الصفصاف المغطاة بالثلج.
ويعد هذا العمل الفني واحدا من مجموعة من الرسومات على الأبواب والحواجز المطوية بين الغرف التي لا تقدر بثمن، وتشهد على ثراء هايديوشي وسطوته.
وهناك أيضا حديقة لا تقل روعة، وهي حديقة بانريوتي، أكبر حديقة من الصخور في اليابان، والتي استخدم في بنائها 140 صخرة غرانيت على قاعدة رملية وتجسد تنينين ذكرا وأنثى، يخرجان من السحاب لحماية المعبد.
وعلى أطراف كويا سان، يسير الحجيج عبر مدافن «أوكونوين» المحاطة بالأشجار، التي تمتد على مسافة كيلومترين، للوصول إلى البقعة الأكثر قدسية في كويا سان، وهي ضريح كوكاي، حيث يقال إنه يجلس في حالة تأمل أبدية. وتضم أوكونوين نحو 200 ألف شاهد ونصب تذكاري بوذي، بعضها مقبب وبعضها على شكل تماثيل جيزو الصغيرة، مما يضفي حيوية على المكان. وبعدها يصل الحجيج إلى ردهة «تورودو»، حيث يُحرق أكثر من 10 آلاف مصباح يتبرع بها العبّاد.
وإذا زرت أوكونوين نهارا، ستصادف زمرا من الحجيج يرتدون ثيابا بيضاء وقبعات من القش مخروطية الشكل، ومجموعات من الرهبان يذهبون إلى الضريح ويعودون، ومجموعات أكبر من السياح تلتقط صورا للحجيج والرهبان.
لكن في الليل تختلف التجربة تماما، إذ يكتنف ظلام مخيف الممرات المضاءة بالمصابيح، ويخيم عليها صمت مطبق لا يقطعه سوى أصوات الحشرات أو السناجب الطائرة.
وقد يخوض الحجيج والزوار تجربة فريدة في كويا سان بالبقاء في واحد من 52 معبد «شوكوبو» المخصصة لإيواء الزوار، حيث ينزل الضيوف في غرف مفروشة بالبسط وأسرّة الفوتون الأرضية التقليدية اليابانية.
وتختلف معابد شوكوبو عن الفنادق المعتادة في أوجه عدة، من بينها أنها تدار من قبل رهبان، ويتكون الطعام الذي يقدمه رهبان شباب في غرف الضيوف، من الخضروات والتوفو والفاصولياء، أي أطعمة نباتية وفقا لتعاليم الشينغون. ويقول سيشو كوندو، أحد الرهبان في معبد إيكوين: «يخضع الطهي في كويا سان للقواعد البوذية الصارمة التي تحظر تناول اللحوم، ووضعت هذه القواعد منذ أن أسس كوكاي كويا سان. وتُستخدم مكونات محدودة وعمليات طهي بسيطة للحصول على نكهات لطيفة تعكس فصول السنة».
تتيح الإقامة في معابد شوكوبو للنزلاء معايشة الرهبان وتجربة بعض طقوسهم اليومية، مثل جلسات التأمل وكتابة السوترا البوذية المقدسة، والانضمام إليهم في جلسات الصلاة في الصباح الباكر وطقوس النار.