لانا عبد الستار
كل مرة تبتعد فيها اسأل نفسي لماذا تخليت عني؟ افترقنا مرات عدة. كنت أريدك فيها ألا تستسلم لحتمية هذا. أنْ تقول لي من الحماقة أنْ نفترق. من الموت أنْ نسمح للمسافات أنْ تتمدد بنا فيزيائياً. لماذا يجب علينا أنا وأنت أنْ نعود ولا يجب على هذا الكون كله أنْ يذهب عنا ويتركنا؟
إحدى تلك المرات كانت تحت المطر الغزير. كنا بلا مظلة ومن دون أي إحساس بالبرد. اللحظة كانت أبدية وكأنني شجرة وظيفتها أنْ تلاعبها الريح حتى موت الشفق في السماء. ومرة افترقنا في أغسطس الحارق. كانت جبهتك غير متعرقة.. انقطع نضوح جلدك تحت تأثير اللحظة المتعسفة. كنت لا تعرف كيف يجب أنْ تنظر إليَّ وماذا عليك أنْ تفعل كي لا تبدو نازفاً مثل طعنة.
كل لحظة فراق كانت مؤلمة أكثر من التي قبلها بأضعاف وكل مرة كنت أحاول أنْ أتعمق في عينيك لأفهم ماذا يدور بداخلك وكيف يطاوعك قلبك أنْ تتركني.
كنت أستمع أمس لربى الجمال وهي تغني قصيدة نزار قباني (لماذا تخليت عني) أبدع سعيد قطب في تلحينها. احترقتُ وأنا أستمع لها. كاظم الساهر أيضاً لحنها وأعطاها لغادة رجب لتغنيها وتصورها في مكتبة ولكنني أعشق ربى الجمال كما تعرف طبعاً.. في كل مرة نفترق توصيني بنفسي وتقول: انتبهي لروحك.. لا أعلم كيف أنتبه لروحي وهي معك؟
تحزنني ربى الجمال كثيراً عندما أفكر أنها غادرت الحياة وهي في التاسعة والثلاثين إثر سكتة دماغيَّة.. من تخلى عن الحلبية الأرمنية ليجعل دماغها يسكت؟ لا شك أنه حبيبٌ لم يقدر رقة وعذوبة ربى.
تعلم أنني لا أريد هذا.. لا أريد أنْ تختلف علينا الشمس ولا أنْ نفقد قمرنا ولا أمطارنا التي نحب. الناس تظن أنَّ الحياة هي هذه التي يعرفونها وتتوزع بين بلدان وثقافات وأجناس. الحياة هي ألا نتوقف عن تلامسنا وأنْ نبيدَ الفراغات.
مشكلة وجعك أنك لا تتخلى عني.. لكن في كل مرة كنت أريدك أنْ تطلق قرارك الحاسم. أنْ تقول لي: ليس علينا أنْ نفترق بل على كل هؤلاء البشر الخروج من الأرض وتركنا لوحدنا.