«أحبيه كما لم تُحب امرأة»

اسرة ومجتمع 2019/01/25
...

شيماء عماد زبير 
كانت في زيارة خاطفة لي مساء ذلك اليوم، أعددت (عصرونية) بسيطة بطقوس عراقيَّة، عيناها تقفزان بين الجدار الذي تشخص فيه عقارب الساعة وبين ثنايا أناملها القابضة على هاتفها النقال.
 تحدثنا من دون تركيز منها على أفكار الكلام. إنها صديقتي منذ أربعة أعوام وأعرفها جيداً وأحفظ استدارات مقلتيها. توقعت ما قالت من دون أنْ أنبس ببنت شفة أعطيتها هاتفي النقال لتجري مكالمة.. مسكينة تحاول خداعه بالاتصال من رقم مغاير لهويتها عسى أنْ يرحمها ويرد وينقذ لهافها، استكملت أحاديثي وأنا أتألم لحالها ولخدعتها المليئة بغباء القهر لقلبها فالكثير من الأشخاص حولنا تستعبدهم فكرة تبدو باب فرح لهم وإذا بها تقلب عليهم ساحبة متاريس أسنانها لتهرول بهم للهاوية حيث العبودية وإهمال النفس والفشل وكره الحياة. 
وهذه صديقتي تعاود الكرَّة من هاتفي ولا يرد عليها بل هذه المرة فقدت التكريم العظيم الذي يقوم به عندما يفصل خطها المتشبث بخطه هذه المرة الرقم مبهم فعفاها من تكرمه بثانية من وقته ليفصل الخط، ولا تدرك انه عامل الخط المبهم بصورة أكثر احتراماً من خطها الذي اجتهدت وهي تسمعه كلاماً في حبه وتقديره وتمجيد فحولته، وأنا ما زلت أبدو مسترخية غير مبالية تخالج قلبي شفقة عليها ورغبة في مساعدتها، مللت النصح والتوبيخ والتأنيب لها والشجار معها، لا فائدة هي تدمنه! ولا تحترم كرامتها ولا تعترف بأنه كان ذات نهار يحبها ومضى، أعادت لي هاتفي ولم تقل شيئاً ولم تبرر لماذا طلبته وبمن اتصلت ربما تخاف من مواجهتي ولا تحتمل كلماتي الناهرة القاسية على قلبها، أما أنا فلم أبحث بفضول الصديقة عن سجل المكالمات الصادرة لأني أدرك أنها تمسح ما ضربت من أرقام تنخر قلبها وكم تمنيت أنْ تمسح الأرقام من عقلها بنفس حرصها على مسحها من الصادرة، بسبب عنادها أصابتني بخدر الحواس تجاهها، كثيرات مثل صديقتي يخضعن لسلوك ذكوري قابع في ذاكرة الرجل عبر التاريخ منذ أول قبيلة، (المرأة موجودة أصلاً لانتظاره وإنها أضعف من أنْ تأخذ قرار الانسحاب أو تركه) وللأسف كثيرات ممن يطبقن نظرية (الأواني المستطرقة) فتتوهم أنَّ أبسط المشاعر لرجل ما هي إلا عشقٌ كبيرٌ لا تقتله القطيعة بل تحييه! وعندما يستيقظ الألم متأخراً بعد أنْ يعيش وقتاً مغروساً في الشهقة يمنعها حتى من نفس عميق لإنعاش رئتيها عندها فقط ندعو أنْ يعينها الله على الصدمة، عودة لصديقتي التي وقفت وقررت المغادرة لأنَّ القلق ينهش قلبها إنه يستغني عنها!
لا يحبها؟!
لا يمكن أنْ تعيش لحظة واحدة إذا لم يرد عليها!!
عند الباب حضرتني عبارة جميلة وعميقة جداً للكاتبة أحلام مستغانمي ودفعتني محبتي للاعتراف لها بأني أدركت كل ما اجتهدت لتخفيه عني، عساها من صحوة.
فقلت: “أحبيه كما لم تُحب إمرأة وانسيه كما ينسى الرجال. وما أقوى من الحب سوى الكبرياء عند أمنع النساء”.