لم تعد العباءة الخليجيَّة زياً تقليدياً خالياً من التفاصيل كما عرفناها، بل أصبحت تصاميمها بالوقت الحالي تتبع أحدث صيحات الموضة والأزياء العالميَّة، وبرزت العديد من النساء المبدعات بخياطتها وقدمن ما هو الأفضل في المناسبات بوصفها الأساس في أناقتهن، وصارت البديل المرغوب والأجمل والأكثر حشمة للمرأة.
سلوى غريب (أم مزدة) من محافظة كركوك، مواليد 1959، متزوجة ولديها أربعة أبناء، وهي واحدة من السيدات اللاتي أضفت أناملهن التميز والخصوصيَّة على الملابس النسائيَّة، وأكثر اهتمامها اتجه صوب تصميم وخياطة العباءة الخليجيَّة، وتقول: “واظبت على مهنة الخياطة النسائيَّة منذ صباي وقد ورثتها عن والدتي (رحمها الله)، وساعدتني في قص القطعة على الباترون، تعلمتها في بادئ الأمر عندما كنت في المرحلة المتوسطة من خلال درس التربية الفنية وقد درسنا المنهاج الخاص بوحدة القياس وتعلم المهارات، حتى تطورت هوايتي وأخذت أخيط ملابس عائلتي عندما كنت في 22 من عمري، وأصبحت علاقتي بالخياطة - وخصوصاً تصميم وتطريز العباءة الخليجيَّة- حباً لا ينتهي، لأنَّ والدتي اهتمت كثيراً بخياطة العباءة الوطنية وتطريزها”.
الحنين للهواية
وأوضحت “بدأتُ بمهنة الخياطة منذ العام 1969، بالرغم من أنني خريجة معهد تكنولوجيا/ قسم الرسم الهندسي عام 1979 وقد تم تعييني في وزارة البلديات والأشغال العامة، وبعدها قدمت استقالتي بعد خدمة استمرت تسع سنوات بسبب تفرغي لرعاية أطفالي حتى كبروا، وحاولت العودة الى الوظيفة لكنني فشلت في مسعاي، إلا أنَّ حنيني لهوايتي جعلني أتخذها مهنة لي لسد معيشة عائلتي ومصاريف أولادي الجامعيَّة وتسديد إيجار المسكن، وقد أسهمت بتجهيز مختلف الألبسة النسائيَّة للمولات الواقعة في شارع فلسطين، والمحال الأخرى مقابل نسبة معينة من بيع الإنتاج”.
ذوق المرأة
أما حبها لتصميم العباءة الخليجيَّة، فتعتقد سلوى أنَّ “تصميمها للقطعة يعدُّ مغامرة صعبة نوعاً ما، لأنَّ لونها أسود وهو جانبٌ لا يمكنني تغييره كونه رمزاً تقليدياً في الوطن العربي وخصوصاً أنَّ النساء العراقيات أخذن يفضلن ارتداءه في الحياة اليوميَّة وحتى المناسبات، وفي بعض الأحيان تمكنت من التغيير في ألوانه وتصاميمه بأشكال جميلة منها (البشت) وهو نوع من العباءة، إذ يفضلن ارتداءه في الحفلات والمناسبات الخاصة مع فستان بألوان زاهية حسب ذوق المرأة، أو تحويل العباءة إلى جلابية وبصيغة أخرى، وأسعى دائماً أنْ أمنح المرأة شيئاً جديداً ومختلفاً ومتواضعاً ومحتشماً”.
فئات عمريَّة مختلفة
وبينت (أم مزدة) أنَّ “جودة العباءة ودقتها مهمتان جداً في تصاميمي، أختار أفضل الأقمشة المتواجدة في السوق، بالطبع تكون مكلفة جداً لكنها تدوم لفترة أطول، ومن جانب آخر تجعل التصميم مكتملاً ويبدو أجمل، وأرفض اختيار نوعيَّة القماش الرخيص لأنه يجعل التصميم يبدو رديئاً ومن دون قيمة، وهذا ما يجعل إنتاجي مختلفاً عن باقي محال الألبسة الخاصة بالعباءات”.
وتضيف “جميع النساء يرتدين العباءة، لكنني أحياناً أقوم بالتأكيد على تصميم أزياء تناسب جيل الشباب، وفي أحيانٍ أخرى أندهشُ حينما تأتيني طلبات من قبل الجيل الأكبر سناً، وأحاول بذل كل الجهود لأجعل تصاميمي شيئاً فريداً ومختلفاً، ترغب بامتلاكه كل النساء من كل الفئات العمريَّة”.
تحقيق الرغبات
كما ترى بأنَّ “بعض الزبونات يحددن شكل خياطة العباءة وكلفتها التي تتراوح ما بين (75 – 150) ألف دينار، والبعض الآخر يفضل العباءة المشغولة يدوياً والمطرزة والتي تصل كلفتها الى (200 – 250) ألف دينار، أما ذوات الدخل المحدود فيطلبن على الأغلب الخياطة العاديَّة التي لا يتجاوز سعرها الـ(40 – 70) ألف دينار”.
معتبرة أنَّ هناك “فئة من السيدات يرغبن في شراء الفساتين والعباءات كلُ واحدة حسب ذوقها من المولات ومحال الألبسة التي أجهزها، أو عبر خدمة التوصيل بعد اختيارهن الموديلات من خلال صفحتي بـ”الفيسبوك” والترويج للبضاعة من دون متاعب التجوال في الأسواق، وفئة أخرى من محدودي الدخل يفضلن الحضور المستمر على المشغل الخاص في بيتي بوصفها الأفضل والأقل كلفة وتساعدهن في تحقيق ما يرغبن به”.
خبرة فنيَّة
ابنتها - سيلين (خريجة كلية الفنون الجميلة/ قسم التربية الفنيَّة) متزوجة، تساعد والدتها مع شقيقتها (مزدة) في الأشغال اليدويَّة والتطريز على العباءة، وتقول: “زاولت المهنة منذ تخرجي بسبب رغبتي في إيجاد عمل واستغلال وقت فراغي كوني خريجة جامعيَّة ولم أجد فرصة للتعيين في مجال تخصصي، ما دفعني الى احتراف مهنة الخياطة وتعلمت من والدتي كيفيَّة تطريز العباءة واختيار النقشات الصغيرة على جانبيها بذوق وفن مثل باقة الورد، وتطريز حضارة وادي الرافدين، وخرز الحسد.. وغيرها، حتى أخذت كل قطعة تحمل تفاصيل وملامح تراثيَّة وتقليديَّة من خلال قصاتها المختلفة ولا أتمسك بطابعٍ محددٍ، كما أصبحت لدي خبرة فنيَّة في اختيار أنواع الأقمشة والخيوط المناسبة لها”.