على بعد 110 كم عن مدينة أربيل مركز إقليم كردستان العراق، يتخذ فريق نادي أربيل الجوي من مرتفعات جبل كورك مكاناً لممارسة رياضات جوية تشهد نمواً وتطوراً رغم غياب الدعم الرسمي. عند إحدى قمم هذه المرتفعات، يطلق زملاء حازم محمد أمين صيحات التشجيع والدعم المعنوي وهو يتأهب للطيران فوق السهول المترامية بعدما جهز معدات التحليق في رحلة تمتد نحو ساعة.
مرتدياً خوذة يضعها عادة الطيارون تفادياً لإصابات الرأس، يقول الشاب الثلاثيني: إنَّ «هذا النوع من الرياضات يتطلب شجاعة وقوّة بدنية وتركيزاً ذهنياً عالياً، نجد فيه المغامرة الخطرة والترفيه معاً». ويضيف محمد أمين الموظف في شركة، وقد تميز عن بقية زملائه بارتدائه بدلة طيران زرقاء: «أمارس منذ سنتين هواية الطيران بالمظلة بعدما أنهيت دورة تدريبية في تعلّم قواعده». تتطلب ممارسة الرياضات الجوية اشتراطات بالنسبة لهواتها في ما يتعلق بالجانب البدني وقدرة التحمل والجرأة، فضلاً عن وجود أماكن مرتفعة مثل الجبال. وتعدُّ منطقة جبل كورك الشهير في كردستان العراق، المرتفعة قممه عادة ما يقارب 2000 متر عن مستوى سطح البحر، من الأماكن السياحيَّة المحببة لسكان مدينة أربيل وبقية المناطق القريبة. ويكتسي الجبل بطبقات ثلجية تغطي المنازل الريفيَّة الصغيرة والأشجار المحيطة بها.
«بأموالهم الخاصة»
تأسس نادي أربيل الجوي عام 2008 بمبادرة عدد من محبي هذه الرياضات، من بينهم أمين سر النادي حيدر السعيدي. وقد أخذ رجل الأعمال على عاتقه تأمين متطلبات ومستلزمات هذه الرياضات ومعداتها.
وقال رئيس النادي رجل الأعمال الكردي علي الأتروشي: «نتطلع لازدهار الرياضات الجوية في أندية الإقليم»، مضيفا أنه لا يوجد «أي دعم من السلطات» التي اقتصر دورها على منح إجازة النشاط. وقاد النمو المضطرد للنادي وازدياد أنشطته إلى تأسيس أندية مماثلة في مدن دهوك والسليمانية وحلبجة. ويفخر الأتروشي أن «نادي أربيل في مقدمة الأندية الآن في الاقليم بفضل مثابرة الطيارين المدربين والمتدربين».
لا تقتصر ممارسة الرياضات الجوية على مهن معينة، فالمدرب محمد عباس يعمل في محل متخصص بتركيب زجاج السيارات. وقد شارك قبل خمس سنوات في إحدى دورات النادي لتعليم الطيران بالمظلات وتدرج حتى أصبح أحد المدرِبين.
ويقول عباس (35 عاما) بحماسة: إنَّ «المدربين يحرصون على انتهاج معايير وأسس تعليم بمناهج دوليَّة»، وذلك «أحد أسباب نجاح النادي وتطوره». ويشرح أنَّ «فترات التدريب تستمر لأكثر من ثلاثين يوما، تبدأ بأسس التدريب الأرضي تليها تدريبات التلال ثم التدريب الجبلي وهو الأصعب، أي التحليق مع المتدرب، وبعد اكتسابه القدرة على التحليق منفرداً يقوم بالمهمة وحده». وعادة ما تجري تدريبات ودورات التعليم خصوصاً في مراحلها الأخيرة، فوق المسطحات المائيَّة أو البحيرات تفادياً لحوادث السقوط.
يمتلك نادي أربيل الجوي 30 مظلة طيران مع كامل معداتها، ويضم أكثر من أربعين عضواً ما بين متدرب وطيار، علاوة على رياضيين متخصصين بطيران المظلات باستخدام المحرك (باراموتور).
وتصل تكلفة معدات الطيران بالمظلات (باراغلايدر) إلى خمسة آلاف دولار، وتضم الجناح المصنوع من طبقتين من القماش السميك تمتلئ الفجوة بينهما بالهواء، ومظلة هبوط اضطراري ومكان جلوس الطيار ومعدات الاتصال.
من جهته يقول حيدر السعيدي الذي يتولى أيضا مهام تدريب: «وجدنا عدة مقومات شجعتنا لتأسيس النادي، هناك هواة للطيران ومرتفعات جبلية وأشخاص يحبون الرياضات الجوية ويدعمونها بأموالهم الخاصة».
والسعيدي (52 عاما) الذي بدأ ممارسة الطيران منذ العام 1994 مع نادي فرناس الجوي في العاصمة بغداد، يحلق أيضا في سماء مدينة أربيل بين فترة وأخرى بواسطة البالون الحراري.
إقبال متزايد من النساء
يتلقى نادي أربيل الجوي طلبات انتساب متزايدة من نساء للدورات التدريبية لتعلم الطيران بالمظلات، وتوجد حالياً أربع فتيات متدربات.
من بين هؤلاء المعلمة راويز مصطفى (27 عاما) التي تواصل تعلم هذه الرياضة بعدما قامت بأربع محاولات تحليق. وتقول مصطفى: «أحببت هذه الرياضة منذ طفولتي، كنت أحلم بها وأحلم بالتحليق في السماء والاستمتاع بالمناظر الجميلة، والآن تحقق ذلك». ولا تخف الشابة تطلعها لأن «يشهد النادي إقبال المزيد من الفتيات».
في الوقت الذي تشهد فيه الرياضات الجوية ازدهارا وتطورا في نادي أربيل وأندية أخرى في كردستان العراق، يعاني نادي فرناس الجوي الأقدم في العراق تراجعا بسبب الإهمال.
تأسس نادي فرناس الجوي في الثمانينيات وضم فرق قفز بالمظلات وطيران شراعي وأنشطة أخرى، ويرتبط حاليا بالاتحاد العراقي للرياضات الجوية إلى جانب نادي الصقور في الموصل. ويسعى الاتحاد العراقي للرياضات الجوية للمحافظة على الناديين وإرثهما التاريخي.
واعتبر أمين سر الاتحاد العراقي للرياضات الجوية أحمد شاكر أن «النمو السريع والتطور اللافت لهذه الرياضات في اقليم كردستان العراق سيعزز مسيرتها ومشوارها»، كما «يساعد على تشكيل فرق رياضية عراقية تشارك في مناسبات خارجية».
وأضاف شاكر «بفضل أندية اقليم كردستان وفي مقدمتها نادي أربيل شاركنا في بطولة العرب بالمغرب عام 2018 وحصلنا على المركز الثالث في الطيران المظلي (باراغلايد) وسباقات الطيران المظلي باستخدام المحرك (باراموتور)».
لكن يشتكي هذا المسؤول أيضاً من غياب الدعم الحكومي، ما جعل «كل مشاركاتنا الخارجية تكون على نفقتنا الخاصة».