الآثار القانونية لوصف جائحة كورونا قوة قـــاهرة

آراء 2020/12/14
...

   القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي 
 
يعد تحقيق الاستقرار في المجتمع أهم الاهداف للنظام القانوني، فحاجة المجتمع الى الاستقرار لا تقل بأي حال عن حاجته الى النظام والامن والعدل. فهو فاتحة كل حضارة وأساس تقدم وذلك لان المجتمع المستقر أقدر على النمو والتقدم في المجتمع، الذي تسوده الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار وانقطاع الاستقرار الحقيقي للحقوق والمراكز القانونية
 هو الذي يكون مبنيا على تمكن الافراد من المطالبة بهذه الحقوق والمراكز والدفاع عنها واتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة عليها، وتنفيذ الواجبات والاعباء الاجرائية الملقاة على عاتقهم في المواعيد المحددة قانونا.
 فاذا حدثت بعض الظروف او الوقائع او الاحداث، التي تحول بين الاشخاص وبين المطالبة بحقوقهم ومراكزهم القانونية، فإنه لا يمكن القول بوجوب تحقيق الاستقرار وعدم الاعتداد بهذه الظروف والوقائع.
 فالعدالة تستلزم مراعاة هذه الظروف والاعتداد بها والوسيلة، التي يمكن عن طريقها تحقيق هذا الهدف، هي فكرة القوة القاهرة، فلا يعتد بالظروف والوقائع والاحداث، التي تواجه الافراد الا اذا كانت تشكل بالفعل قوة قاهرة، حالت بينهم وبين اللجوء الى القضاء او ممارسة حقوقهم وتنفيذ واجباتهم الاجرائية.
 وان حق التقاضي حق مكفول وتوفير الضمانات الاساسية التي تمكن المتقاضين تحقيق العدالة والمساواة، ولكن قد تطرأ على الدعوى ظروف تحول دون انعقاد الخصومة القضائية، او تحول بين الخصم وبين حضور جلساتها او متابعة اجراءاتها.
 ولم ينص المشرّع العراقي على مصطلح القوة القاهرة في قانون المرافعات المدنية، وانما استخدم مصطلح انقطاع المرافعة بوصفه  من الاحوال الطارئة على الدعوى.
 فالحالات التي اوردها المشرّع العراقي ماهي الا تطبيقات للقوة القاهرة اوردها المشرّع العراقي على سبيل الحصر، مع الأخذ بنظر الاعتبار، ان القوة القاهرة تكون على نوعين: خاصة حيث تكون مقتصرة على الخصم وحده، وعامة تشمل الخصوم واطراف الرابطة الاجرائية وغيرها على حد سواء.
 والقوة القاهرة هي أمر غير متوقع حصوله وغير ممكن تلافيه، يجبر الشخص على الاخلال بالالتزام، كالحرب بما ينجم عنها من احداث مادية وأزمات اقتصادية، او هبوب عاصفة او وقوع زلازل او فيضانات او انتشار وباء مثل جائحة كورونا، حيث أعدّ انتشار هذا الوباء قوة قاهرة عامة، وشملت جميع الناس وفي جميع ارجاء البلاد.
 وان شروط القوة القاهرة هي ان تكون الواقعة غير ممكنة التوقع، وان يكون الحادث مستحيل الدفع، وان تكون الواقعة مستقلة عن ارادة الخصم، وان تجعل الواقعة مباشرة الخصم للعمل الاجرائي مستحيلا وهي تختلف عن الظروف الطارئة.
حيث ان القوة القاهرة قد تكون عامة وقد تكون خاصة، اما الظروف الطارئة تكون عامة وكذلك الاختلاف من حيث الاثر، حيث ان الاثر المترتب على تحقق القوة القاهرة هو انتفاء المسؤولية المدنية في اطار القانون المدني، ووقف المدد القانونية وبطلان الاجراءات في اطار قانون المرافعات المدنية.
 في حين أن الاثر المترتب على تحقق الظروف الطارئة، هو انقاص التزام المدين الى الحد المعقول، وان المشرّع العراقي أجاز وقف مدد الطعن بقوة القانون عند توفر الظروف القاهرة لوقفها والتي لا تكون للخصوم يد فيها، لأن وجود هذه الظروف يؤدي الى منع الخصم المحكوم عليه من ممارسة حقه في الطعن، واذا كانت القوة القاهرة هي السبب الوحيد في وقوع الضرر، فالقاعدة انه اذا استقلت القوة القاهرة في ايقاع الضرر، فإن المدعى عليه لا يكون مسؤولا عن التعويض.
 وقد نصت المادة (211) من القانون المدني العراقي اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير أو خطأ المتضرر، كان غير ملزم بالضمان مالم يوجد نص او اتفاق على غير ذلك.
 وقد أعدت محكمة التمييز الاتحادية انتشار فايروس كورونا قوة قاهرة، حيث اصدرت الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية قرارها المرقم 14/الهيئة العامة / 2020 المتضمن : (... ومن مصاديق القوة القاهرة انتشار وتفشي وباء فيروس كورونا في جميع العالم ومنها العراق، وقد اقترن ذلك بعدم وجود لقاح او دواء مخصص له مما احدث حالة من الرعب والخوف والهلع.
وقد حتم ذلك على دول العالم ومنها العراق اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية للحد من انتشاره، وواحدة من هذه التدابير فرض الحظر الشامل، حيث يعد فرض الحظر الشامل و ما نتج عنه من ايقاف الدوام الرسمي في العالم نتيجة انتشار فيروس كورونا قوة قاهرة، ومن الآثار التي ترتبت عليها وقف المدد القانونية ومنها مدة الطعن في الاحكام والقرارات ومنها الطعن التمييزي ...). 
كما أعدت اللجنة العليا للصحة  والسلامة  الوطنية جائحة كورونا قوة قاهرة بقرارها في 2/12/2020 المتضمن ( تعد جائحة كورونا قوة قاهرة لجميع المشاريع والعقود السارية وذلك بدءا من تاريخ 20/2/2020 ولغاية تاريخ صدور القرار ) ونرى من الضروري تعديل قانون المرافعات المدنية بالنص على دور القوة القاهرة على غرار القانون المدني .