مشكلة اسمها الحمايات

آراء 2020/12/15
...

 رزاق عداي

تتباين السردية في تاريخ اشكال الحمايات منذ نشأْة الدولة العراقية حتى اليوم، اذ أخذت مسارا متفاقماَ ومتصاعدا بمتواليات عددية وهندسية، تبعاَ لتبدل أنظمة الحكم وبنية السلطة وقوة الدولة وهشاشتها، اما المعلن الرسمي لها فهو الضرورة الامنية دائماَ فمثلا في العهد الملكي يستطيع الوزير او النائب في البرلمان أن يتحرك بمرونة فائقة، اثناء عمله الرسمي او خلال حياته المدنية، فيستطيع أن يصطحب أسرته للتنزه  من دون الحاجة للحماية، وظل هذا التقليد ساريا حتى مع اول رئيس جمهوري للعراق، فما دُون في محاولة اغتيال- الزعيم -عبد الكريم قاسم- الموثق في الجزء العشرين من وقائع محكمة الشعب، انه لم يكن يرافقه سوى شخص واحد مع انه كان مستهدفا ومعرضا للاغتيال. وقبل هذا تقول الروايات إن- نوري السعيد- أحد اشهر الساسة العراقيين في العهد الملكي، والذي اعتلى منصب رئاسة الوزراء لاكثر من عشرة مرات، ومع ادراكه التام بانه في وضع لا يحسد عليه أمنيا، لم يكن موكبه عند الخروج من البيت او العودة من مقره الرسمي او اي مكان اّخر يتجاوز الثلاثة او اربعة من رجال الشرطة. منحنى الحمايات اختلف بعد تموز 1968، اذ اندلع خطاب الهاجس الأمني وتجذر عميقا في مؤسسة السلطة، ومبعث هذا هو عامل النبذ والعزلة عن الجمهور، وبموروث اختزنته ذاكرة جمعية لتجربة حكم حالك في عام 1963، فكان الهاجس للسلطة الجديدة انذاك هو الاصرار والتمسك بالحكم، مهما بلغت التكاليف والتضحيات، بلغ حدا ان مسارا لتغيير ديموغرافي، عبر تجريف لملامح ومسميات وشوارع، فقد اختفت مدينة وحي نابض اسمه( كرادة مريم) على مذبح هاجس الحمايات، ولم تبق قاعات مسرح وموسيقى شاخصة الا في ذاكرة قديمة.
اما البروز الامثل والنوعي للحمايات، فقد تم في اعقاب 2003، فالمسوغات ظلت كما كانت ولكنها اخذت اشكالا ومكونات جديدة، تجسد ببعد أفقي -عمودي معا، متشظٍ واخطبوطي. فاذا كانت الحمايات سابقا تأخذ البؤرة محاطة بالمدارات، فهي في زمن الديمقراطية، اصبحت مجموعة لا نهاية لها من البؤر والدوائر، وليست حماية الدائرة الواحدة، فداخل الوزارة الواحدة هناك تدرجات ومسميات، وكلها تطلب حمايات، تصل حتى ادنى من المدير العام.
الولع الاخير بالحمايات في المرحلة الراهنة، بات يتجاوز دوافعه الاولى المتمثلة بالضرورات الامنية ، فبدا وكانه الوباء المتفشي في مفاصل الدولة، باهظ التكاليف ومفرطا في الإنفاق ومظهرا من مظاهر السلاح المنفلت.