أوراق القمار في اللعبة الأميركية

آراء 2020/12/16
...

 زهير كاظم عبود 

ليس من باب نظرية المؤامرة والتشكيك، انما للمقارنة في التعامل والأسلوب ثم الاستنتاج، لذا فإن اسئلة كثيرة تطرح نفسها لعلها تجد الجواب الشافي، فالولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى لها حساباتها وسياساتها وفقا لمصالحها، الا انها احيانا تتجاوز فى تعاملها وعلى حساب حلفائها من دون التفريط بمصالحها، وتتجاوز في أحيان اخرى حتى على الاتفاقيات الستراتيجية التي تعقدها مع بعض الحكومات. 

ليس بعيدا الحرب التي شنتها القوات الأميركية على قوات الجيش العراقي عند انتهاء المدة التي حددها التحالف الدولي لصدام للانسحاب من الكويت، وما كانت تلك الحرب تقع لولا اعتماد الاستخبارات الأميركية على المواقع الحساسة ونقاط الضعف التي تعاني منها القوات المسلحة العراقية، وما كانت لتقع لولا غباء صدام وعدم فهمه لإبعاد اللعبة، حين احتل الكويت وحين رفض الانسحاب منها بعناد أحمق، تاركا كل وحدات الجيش العراقي تحت رحمة الطيران الأميركي والتحالف الدولي، ووضع العراق تحت رحمة القصف الصاروخي والطيران الحربي، وما كانت لتقع لولا قطع الجسور المواصلات التي يتم اعتمادها في الانسحاب من الأراضي الكويتية أو العراقية، مع وجود شرخ كبير وعميق بين سلطة صدام وبين الشعب العراقي. 
 
احتلال الموصل
وحين تم عقد الاتفاقية العراقية – الأميركية، كانت مجاميع الارهابيين تقاتل في سورية وتدخل الى العراق بسهولة ويسر، وتحت أنظار ومعرفة الولايات المتحدة الأميركية، بل ان حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة كانوا من اشد الداعمين اللوجستيين لهذه المجموعات الإرهابية، سواء كان اسمها القاعدة أو داعش أو جبهة النصرة أو بوكو حرام او جند الله أو الدولة الإسلامية أو غيرها من الأسماء المتبرقعة بلبوس 
الدين، وبمعرفة الولايات المتحدة الأميركية كانت تصل الى المجموعات الإرهابية أسلحة وأموال وإمدادات تم تشخيص مصادرها وأسماء مموليها، وبمعرفة الولايات المتحدة الأميركية العسكرية 
والاستخبارية كانت تتم معرفة مواقع الإرهابيين وقياداتهم ومراكز مواقعهم الإلكترونية ومن يديرها وحركاتهم، وبمعرفة الولايات المتحدة الأميركية الاستخباري كانت ترصد دخول وخروج الارهابيين من تلك الدول الى العراق وبالعكس، وبمعرفتها ايضا كانت تعرف أماكن تدريباتهم وتواجدهم وطرق الوصول الى مناطق تجمعات الإرهابيين، وكانت قدرة الأجهزة الأمنية الأميركية تنسجم مع حجم الهيمنة والسطوة الدولية لها على 
العالم. 
ومن خلال عملها في العراق خلال فترة الاحتلال تمكنت الولايات المتحدة الأميركية أن ترصد المعلومات الدقيقة لكل مفاصل هذا البلد، فلم يعد بعد كل هذا شيء لا تعرفه أو مخفي عنها. 
وبعد ان أقرت المعاهدة الستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الأميركية في العام 2008، كان من بين أهم البنود التي اتفقا عليها أنه عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة، ويقوم الطرفان، بناء على طلب من حكومة العراق، بالشروع فوراً في مداولات ستراتيجية، وفقاً لما قد يتفقان عليه في ما بينهما، وتتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة، والتي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي إجراء آخر، للتعامل مع مثل هذا التهديد. 
هذا النص يفترض انه ملزم وفقا للاتفاقية ان تبادر الولايات المتحدة الى أن تبين مقدار حجم الخطر الذي يهدد العراق، وأيضا أن تبادر الى درء الهجوم الذي شنته المجموعات الارهابية التي دخلت من سورية واتخذت من تركيا موقعا خلفيا، وأن تكشف للعراق عما صورته الأقمار الاصطناعية، وما حصلت عليه من معلومات استخبارية، وان تبادر بدلا من التلكؤ الى اتخاذ موقف ينم عن احترامها لهذه المعاهدة، وأن يتم تشكيل غرفة عمليات مشتركة لدرء الخطر الحال على 
العراق. 
الموقف الاميركي
الغرابة تكمن في ان الولايات المتحدة قررت بادئ الأمر عدم التدخل مع عدم امكانية ارسال أية قوات لمحاربة داعش بزعم وجود فرقة وانقسام بين العراقيين، الا انه وبتاريخ حزيران 2014 قررت اميركا الوقوف مع العراق لمحاربة الارهاب، ودعت المجتمع الدولي لمحاربة هذا العدو الذي ينذر المنطقة بالخطر، ودعت حلفاءها في المنطقة ليتخذوا قرارات من شأنها الوقوف ضد داعش، كل هذا بعد أن اكتشفت أميركا أن ليس من مصلحتها أن تكون لداعش موطئ قدم في العراق ولا تمددها في بقية المناطق. 
وبعد ممانعة وتبريرات لتأخير تسليح العراق، تمت الموافقة على تسليح القوات العراقية بعدد من طائرات الأباتشي وبكمية من صواريخ هيلفاير الدقيقة، ثم تطور الموقف الى تقديم دعم استخباري متواضع وشن الهجمات الجوية بطائرات من دون طيار، ثم الدعوة لمؤتمر لمكافحة الإرهاب، والخروج بنتائج محاربة داعش من قبل الدول التي حضرت المؤتمر بما فيها حلفاء اميركا في المنطقة من الداعمين لداعش ماديا ومعنويا. 
ويبدو ان انسجاما وتقاربا حصل خلال هذه الفترة بين الإيرانيين والأميركيين، الا ان أسراره بقيت قيد الكتمان لم يكشف سوى جزء منها ما حصل في العراق، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام وجود داعش على الأرض العراقية مع وجود منافذ معروفة تبيح لها التنقل بين العراق وسورية لم تزل مستخدمة، وأن هناك تجارة تهريب أموال وبيع نفط تتم تحت انظار المجتمع الدولي وتتعامل بها دول وشخصيات لم تزل مستمرة بالتعامل مع داعش، ولم يعد يخفى على أحد تأمين وتبييض الأموال لصالح داعش، ولم يعد خافيا أيضا الدور التركي والخليجي الداعم للعصابات الإرهابية في المنطقة، كما لم يعد يخفى دور المجموعات الارهابية في مناطق جبال حمرين وشريط حدود مدينة الأنبار، حيث يتوفر لها المأوى والحماية.
إن الأسلحة التي غنمتها داعش من وحدات الجيش العراقي تستعملها في سورية وفي العراق، وهناك كميات من الأجهزة المتطورة والمعدات التي وفرتها دول مجاورة للعراق استوردت كميات من السيارات المجهزة بمعدات عسكرية وأجهزة اتصالات وانصات سلمتها الى داعش، تستعملها في حركاتها وقتالها، إضافة الى استمرار دول مجاورة بتدريب داعش وتأهيلها ومن ثم ارسالها للقتال في العراق وسورية عبر الأراضي التركية. 
إن القاعدة التي تستند اليها داعش في استقطاب المقاتلين تكمن في الفتاوى التي يصدرها رجال دين متطرفون وتكفيريون، وهذه المجموعة لم تتخل عن نهجها في تسويق الفتاوى وتضليل الشباب، ودفعهم للقتال حتى الموت، ولم تتم مواجهتها وتقويمها، كما لم تتم اعتماد خطط تثقيفية، وبالرغم من مضي شهور عدة على احتلال مدن رئيسة في العراق وسورية، وقيام العصابات الإرهابية بقتل وترويع وتهجير الاف المواطنين والتصرف بأموالهم، لم تكن النتائج سوى قتال دائر وانتشار إرهابي في مدن وقرى ومفاصل عراقية، وخلال ذلك تمكنت داعش من ارتكاب جرائم كبيرة بعد السيطرة على مواقع عراقية حساسة، وقيامها بقتل عشرات الآلاف من المواطنين بيسر وسهولة وبدم بارد، مثلما لم تتم محاسبة مصادر التمويل والعمل على تجفيفها والقيام بالإجراءات الرادعة ضد ممولي الجماعات 
الإرهابية. 
انسحاب غير منظم
لم تنكشف حتى اليوم الأسباب الحقيقية وراء انسحاب القطعات العسكرية العراقية من مدينة الموصل ولا أسباب تركها كامل الأسلحة والمعدات خلفها، بما فيها الآليات ومنصات الصواريخ والراجمات، ولا أسباب تسليم قاعدة سبايكر ومعها آلاف الجنود العزل الى داعش لتعيدهم الى اهلهم جثثا هامدة في مجزرة بشعة هزت ضمير العالم، ولا أسباب تخلي القوات العراقية عن تلعفر وانسحابها منها، ولم تتوضح حتى اليوم أسباب محاصرة مئات الجنود العراقيين في منطقة الصقلاوية والسجر وجرف الصخر، من دون عتاد أو تموين أو ماء حتى قضي عليهم، كما لم تنكشف الأسباب الحقيقية وراء انسحاب قوات البيشمركة من سنجار والشريط الحدودي مع مدينة الموصل، وعدم تسليح المواطنين الأيزيديين وتركهم يواجهون الموت والذبح والهروب الجماعي في الجبال والعراء والوديان، حيث شكلوا مفارز وقوات شعبية لمواجهة القتلة والإرهابيين. 
ضمنت أميركا وجودها فوق الأرض العراقية على شكل قواعد عسكرية، وفتح العراق اجواءه الى طائراتها وطائرات التحالف الدولي، وضمنت أميركا وجود قسم من خبرائها العسكريين وقواتها على الأرض العراقية، وضمنت ايضا بقاء الحال الى سنوات حسب تصريحات الرئيس الأميركي، كما انها ضمنت خرقها لأجواء سوريا رغم سيادتها على أراضيها، الا انها انقلبت واعلنت انضمامها الى عصابات داعش الإرهابية، بعد ان عززت الجماعات الإرهابية بأنواع من الأسلحة المتطورة بزعم انها تعارض نظام بشار الأسد.
إن ظهر داعش مكشوف، وخطط سيرها معروفة، ومواقعها وأماكن تواجدها التي احتلها او التي تتمركز فيها محددة، والطيران يمكن له ان يفصل في تدمير تلك الأهداف خلال ساعات أو أيام، والحرب على العراق في العام 1991 و2003 شاهد قريب على 
ذلك. 
لم يعد خافيا على أحد أن العصابات الارهابية لم تكن الا وسيلة من وسائل المخابرات المركزية في الحرب التي تقررها الولايات المتحدة الأميركية، وهذه العصابات تمتد وتتمدد حسب مقتضى الحال من افغانستان مرورا بفلسطين والعراق وسورية والجزائر واليمن وليبيا، وهذه الفصائل ماهي الا ورقة قمار ضمن ورق اللعبة الأميركية في المنطقة، اللاعب الأميركي فيها هو الجوكر والخاسر فيها دوما المواطن في المنطقة ايضا، ومع كل هذا فإن الولايات المتحدة الأميركية من أصدقاء العراق والعرب ايضا!.