جار المقهى

الصفحة الاخيرة 2020/12/18
...

حسن العاني 
في كل مدينة عراقية، كما هو الحال في مدن العالم، تظهر شخصيات بعينها (رجال او نساء)، في هذه المرحلة او تلك، تنال من الشهرة وذيوع الصيت، ما يجعلها مضرب المثل وحديث الناس، وامر طبيعي أن سبب الشهرة ليس واحداً فقد يكون متطرفاً في الكرم او البخل او الشجاعة او الجبن او المرح او المقالب او اللامبالاة او الذكاء او الغباء... الخ . 
وكانت «كرخ بغداد» قد عرفت في اربعينات القرن الماضي وخمسيناته رجلاً يدعى (....) – اعتذر عن ذكر اسمه احتراماً لموته، حيث انتقل الى رحمة الله عام 1964 – يتميز بأعلى قدر من العفوية والجرأة والإقدام على تصرفات يندر ان يقدم عليها غيره.
كان هذا الرجل صاحب مقهى من مقاهي الطرف، وقد فوجئ الزبائن ذات يوم وقت العصر بأنه احضر فرقة موسيقية من الفرق الشعبية التي راحت تعزف، حتى اذا اجتمع خلق كثير من المارة وشباب المحلة والاطفال، صعد صاحب المقهى فوق أحد (التخوت) وطلب من الفرقة ان تتوقف عن العزف وخاطب الجميع من الزبائن الى المارة وشباب الطرف والاطفال قائلاً بأعلى صوته [ ياجماعه اسمعوني زين والحاضر يبلغ الغايب ... ابني عصام سقط بامتحان البكالوريا، وما اريد كل شويه يجي واحد يتاسف لي ويسالني نفس السؤال: ليش ابنك ما نجح؟ .. واني اجاوبه نفس الجواب: لان ابني طايح حظه] وضحك الجميع بأعلى أصواتهم، ولكن أحداً منهم لم يستغرب فهذا هو ابو عصام مثلما عهدوه او هذه هي شخصيته اللذيذة.
من طريف ما قام به وعلق الى سنوات طويلة في ذاكرة الرواد واهل المحلة، انه لاحظ تردد احد الزبائن على المكان وبصورة يومية بعد صلاة العشاء، حتى اذا جلس جاءه العامل (صانع المقهى) وسأله ان كان يطلب ( شاي، حامض، مشروب غازي) فيقول له انه يريد شاياً، ولكن بعد ان يرتاح سيطلب بنفسه، ويجلس هذا الزبون الغريب عشر دقائق او ربع ساعة او نصف ساعة من دون ان يطلب شيئاً ثم يغادر إلى منزله الذي لا يبعد اكثر من عشرين متراً عن المقهى.
كان هذا المشهد يتكرر بصورة يومية، وابو عصام منزعج من تصرفات جيرانه لانه لا يدفع فلساً واحداً، ذات يوم وقد بلغ به الانزعاج اقصى مدياته وهو يرى الرجل يجلس قرابة الساعة من غير ان يطلب مشروباً باستثناء الماء ثم يخرج، وقف ابو عصام وخاطب الرواد وهو يغلي غضباً[ الله اكبر ... هذا المكان مكان شغلي وباب رزقي لو تكيه خيريه.. يا اخوان رجاء ما ريد احد يلومني على اللي راح أسوي ]، ثم نادى على العامل وطلب منه أن يهيئ له (استكان) شاي، حمله بيده والزبائن تنتظر ماذا سيصدر عنه.. وتوجه إلى منزل جاره وطرق الباب فخرجت ربة البيت، قال لها[ اختي رجاء وبسرعة عشر فلوس وهذا استكان الشاي]، لم تفهم السيدة الحكاية، ولكنها بين مصدقة ومكذبة دفعت له المبلغ وعاد وهو في قمة السعادة، ومن يومها لم يعد الرجل يصل الى المقهى!