وجود سلبي للجسد

منصة 2020/12/21
...

ابتهال بليبل 
 
أي زمن هذا.. أن تُجسد المرأة فيه "فرانشيسكا وودمان"؟، أنْ تكون في صور تلتقطها لوجهها، جسدها، ثيابها.. أنْ تتواجد في ساحة تندمج فيها الحتميات الاجتماعية والبيولوجيَّة بالفوضى، حتىّ تُستقبل صورها تارّة وتُحجب طوراً لأنها تقترح ذاتها. أية عزلة عندما تكون صوري جزءاً لا يتجزأ من ذاتي المُخمنة، أو بعبارة أخرى، حين تتلاشى الحدود بين الجسد والذات.
الجسد الأنثوي لا تشكلّه القوالب ولا تقيده الزنازين إلاّ لتزداد عزلته.. أي مأزق أنْ تمثل الصورة الفوتوغرافية الذات والتاريخ والهوية وأحياناً شحنة المعايير الجمالية لحتمية الاستبعاد؟ أي عبث أنْ يكون وجودي ضحيَّة الحدود الداخلية والخارجية، وأنْ يكون جسدي منصة، وأنْ يكون ذاتي الخطاب نفسه؟
بالطبع، أنا لا أسخرُ من "فرانشيسكا وودمان" التي انتحرت عام 1981 وهي بعمر (22) عاماً، قدر التفكير بجسدها الذي استخدمته كرموز مثيرة للجدل واستعارات سرياليَّة للتعبير عن قلق الوجود والغياب في أجواء غامضة تكشف معضلة النسوية. 
أنا فقط أفكر لأنها ببساطة لا تتناسب مع المعايير المادية والجمالية أو الأدوار الاجتماعية. كما أنني لا أهتم، هنا، بالفن والتصوير بل في القدرة على إعادة إنتاج الواقع. ولقد ركزتُ أيضا في تعاملها مع جسدها.. الجسد المُعبر المُقسم بين مفاهيم السلوك والأنوثة والتعبير.
مصورة فوتوغرافية تعاني الاكتئاب ومرتبطة غالباً بالعتمة، ترى تجربتها من منظور أنثوي، الذي هو جسدها، سأخمن أنه يتوجب عليّ عند النظر لصورها أنْ أركز على مكانة الذكورية.
صورها الغامضة عادة- ليست غامضة بالضبط لأنها مسألة تفهمها النساءـ تبدو بعد كثير من التحديق والتفكير في سياقات اجتماعية وأيديولوجية وثقافية وتاريخية مثل الكوابيس: الجسد العاري، المقابر بأجواء ضبابية والأسود جنباً إلى جنب الأبيض.
صور شخصية مستفزة لا تكشف أبداً عن كل شيء: الوجوه مشوشة أو ضبابية، أجزاء من جسدها مخفية تتوارى خلف شيء ما.
هناك علاقة بصرية بين جسدها والفراغ المحيط به، ربّما يرجع للاكتئاب والعزلة والأعراف السائدة.. وربّما لأن "وودمان" لا ترى إلاّ نفسها، بل واحتمال لوجودها وحدها على هذا الكوكب المرعب، لذا فهي لم تر غيرها من قبل، وبالصدفة أنا رأيتني معها بعد ذلك.
ولكن المحبط، أنْ ألتقط صورة لوجهي أو جسدي ويُعتقد أنني (أحبُ ذاتي أو أكرهها).. كل يوم يتزايد شعورك بنسف وجودك. ويخلق ذلك تداخلاً قويّا بين عناصر مقبولة ومتعارضة، كالوجود والغياب والجسد والبيئة. 
من المهم أنْ ندرك أن المظهر يتفوق على ذات الأنثى، يشبه ذلك التواجد في مكانٍ ما، مع الصمت. والمثير للاهتمام مراقبة مظهري هنا، لفهم كيف يربط الجميع ما بينه وذاتي وكيف يضعون تأويلاتهم المطلقة لما لم أنو قوله. 
الجميع يعرف عن ذاتي أكثر مما أعرفه. فشيء ما يحدث بين مظهري والعيون مشابه لعملية الاندماج فيه ليكونوا جزءاً منه: الفضاء الاستطرادي يحاصر جسد الأنثى. والقول بأنَّ الصورة- دوري الذي يُخمنه الآخر- هو ما يعني أنني غير مرئية.. هكذا كان جسد "وودمان" يرفض النظرة الذكوريَّة، وفي الوقت نفسه، يعكس الثقافة الذكوريَّة عبر صور كانت صرخة مدويّة لوجود سلبي.