المصلحة هي الاساس

آراء 2020/12/23
...

  د. أثير ناظم الجاسور
ما من دولة في هذا العالم المتجدد والمتحول تبقى على ذات السياقات السياسية والستراتيجيات المتبعة لتكون رقماً مهماً في النظام، فالعالم وبعد ان كان يحدد العلاقات بمسماها الدولية على اعتبارها تستند إلى علاقات الدول، في ما بينها اليوم تغيرت المعادلة بعد ان دخلت فواعل عالمية غير الدول تلعب ادواراً مهمة في رسم خريطة هذا العالم، وكان واضحاً ما حصل في العديد من دول العالم منذ الحرب العالمية الأولى ولغاية اليوم، فالعظمى منها سارت على صياغات ومنطلقات فكرية وفلسفية ساهمت في تعزيز قوتها وهيمنتها، بعد ان وضعت العالم في دورق اختباراتها وتحليلاتها وبينت مستويات العامل مع دول العالم، وهذا بالتأكيد استند الى جملة من المدارس الفكرية التي نظرت بالاستنتاج والمعرفة طرق التعامل والاولويات والوسائل بعد ان تمت دراسة البيئة المحيطة بالدول والطبيعة السياسية والاجتماعية والأكثر تحديداً النخب الماسكة بزمام الأمور، بالتالي فان كثرة هذه المدارس والمفكرين والمنظرين ساعدت على وضع أسس النظام العالمي والإقليمي وكيفية دراسة حيثياته وفواعله.
تحقيق المصلحة هوالهدف الأساس للدول وحتى غير الدول والاهم من ذلك هو كيفية صياغة سياسة خارجية متوازنة مبنية على أساس تحقيق المصلحة الوطنية، بالتالي فان صناعة هكذا سياسة تتطلب جملة من العوامل المساعدة أهمها الاستقرار الداخلي، وهذا يتطلب ان تبتعد الأطراف السياسية الحاكمة عن النزاعات وخلق الازمات والاكتفاء بالتنافس البناء الذي يسهم في صياغة رؤية حقيقة وجادة لعملية البناء والتنمية التي بدورها تخلق أجواء العمل الجماعي حتى وان كانت هناك تقاطعات وعدم التقاء في هذه النقطة او تلك، وهذا ايضاً يتطلب صانع قرار او وحدة قرارية تسير وفق خطوات علمية عملية مدروسة تأخذ في الحسبان كل التطورات الحاصلة في هذا العالم، وألا تكون متأثرة بشكل مباشر في صياغات قد تعمل على إيجاد الضرر في بنية الدولة شكلاً ومضموناً، بالمحصلة حتى تكون رقماً إقليميا ودولياً يجب ان تعمل الدولة او الأحرى القائمون على إدارة شؤونها على بينة ودراية وخبرة بالسياسة والاحداث الحاصلة في العالم، والسعي على استغلال أي تفصيلة مهما كانت من وجهة نظرهم غير مهمة وتسخيرها للمصلحة العامة، وحتى تكون رقماً عالمياً لا بد ان تكون مسيطرا على الأقل اقليمياً.
يقول " مير شايمر" في كتابه (مأساة سياسة القوى العظمى) عندما أراد صناع السياسة الاميركية ان يكونوا مهيمنين اقليمياً بعد نضجت الفكرة عام 1823 حدد الرئيس الأميركي " جيمس مونرو" ثلاثة شروط رئيسية تعد موجهة للسياسة الخارجية الامريكية وتضمنت: 
1- ان تبتعد أميركا عن كل الصراعات والحروب في أوروبا وهذا ما قد يفسر ان مونرو أراد ان تبتعد أميركا عن تلك الصراعات التي تبعدها عن هدفها الرئيس هو الهيمنة الاقليمية في منطقتها. 
2- ابلغ مونرو الدول الأوروبية بعد السماح لها من احتلال أي جزء في النصف الغربي من الكرة الأرضية (منطقة نفوذها الجديد).
3- ان لا تقييم دول أوروبا أي تحالفات مع أي دولة مستقلة في النصف الغربي من الكرة الأرضية.
وعليه من هذه التجربة وغيرها يتبين ان على الدول ان تسير وفق منهاج عقلاني مصحلي اناني إذا تطلب الامر في بناء قوتها الداخلية والخارجية من خلال التركيز على هدفها الأساس، الذي يُحدده صانع القرار او صناع القرار، بعيداً عن المؤثرات الخارجية والضغوطات الإقليمية والدولية، وبعيداً عن التأثيرات التي تحمل في طياتها جملة من عمليات التدخل التي في اغلبها تكون بشكل مباشر، بالنتيجة فان الدول تعمل على بناء قاعدة ثابتة من الأهداف تحاول تحقيقها، بالرغم من حجم كثرة التحولات وحجم التحديات التي تواجهها.