الراتب والشهادة

الصفحة الاخيرة 2020/12/25
...

حسن العاني 
قدم المواطن عبدالله العراقي طلباً الى دائرته لتعديل راتبه الشهري، بعد أنْ حصل على شهادة الدراسة (المتوسطة)، وكان ذلك في العام 1958، وكان بين الحين والآخر يستفسر من دائرته عن مصير الطلب فتخبره، إنها رفعته الى الوزارة، ولم يأت ردٌّ عليه، فيذهب الشاب الذي لم يبلغ العشرين من العمر، الى الوزارة التي تذكر في كل مرة سبباً أو عذراً حال من دون البت بعريضته، كالانشغال في محاكمة أذناب العهد البائد، أو مواجهة المؤامرات، أو متاعب الإصلاح الزراعي وموضوعة النفط والقضية الكردية.. الخ!!
في العام 1963 كرر المواطن عبدالله المحاولة من جديد وقدم طلباً الى دائرته لتعديل راتبه الشهري، بعد أنْ حصل على شهادة الإعدادية، بينما راتبه ما زال على شهادة الدراسة الابتدائية و.. و.. أخبرته الوزارة أنها ستنظر في العريضة بمجرد أنْ يفرغ العراق من المؤامرات الداخلية والخارجية ومن المشكلات التي ورثها عن نظام عبد الكريم قاسم و.. وفي العام 1970 وصولاً الى العام 1979، ولغاية عام 2002، قدّم عبدالله الطلب نفسه الى دائرته راجياً تعديل راتبه بعد أنْ نال الشهادة الجامعيَّة، في حين ما زال يتقاضى راتب الشهادة الابتدائيَّة، وفي كل مرة تعتذر له الوزارة لأنَّ البلد منشغل بهذه القضية المصيرية أو تلك المشكلة العويصة، كالجبهة ومؤامرة ناظم كزار ومؤامرة محمد عايش وتحرير فلسطين ويوم البيعة والزحف الكبير والحصار و.. و.. الخ، ومع ذلك بقي الرجل يرفع طلبه، وفي كل مرة، كانت الوزارة تقول له الجملة نفسها (طلبك مشروع، وهو بالنسبة لنا غير مرفوض، ولكنه مؤجل الى حين تستقر الأمور الأمنيَّة والاقتصاديَّة)، ولم يكن بمقدور عبدالله أنْ يفعل شيئاً سوى الصبر والصمت والانتظار!
استبشر الرجل خيراً بقدوم عام 2003 وسقوط النظام الدكتاتوري وإعلان العراق بلداً اتحادياً فيدرالياً ديمقراطياً، وهكذا قدم الطلب نفسه وأوضح فيه هذه المرة انه حصل على شهادة الماجستير وراتبه ما زال على شهادة الابتدائية و.. و... وعلى مدى الأعوام اللاحقة، وهو يعيد تقديم العريضة الى الوزارة والوزارة تعتذر لأنَّ البلد في مواجهة المؤامرات والقاعدة وداعش والفساد المالي و.. و.. ومع ذلك تقول له (طلبك مشروع وقائم وسنأخذ به بعد تحسّن الأوضاع الأمنية والاقتصادية، ومن حقك ان تشتم او تتظاهر او تعتصم)، وصرخ عبدالله وعيّط وتظاهر واعتصم وراتبه ما زال على الابتدائية، إلا أنه لم ييأس وتهيأ لتقديم طلب جديد، وفكر هذه المرة أنْ يكتبه بلغة قاسية وصوتٍ عالٍ، لولا أنَّ رصاصة ملثم مجهول اغتالت صوته!