دع التحليل وابدأ الحياة

الصفحة الاخيرة 2020/12/27
...

عبد الهادي مهودر
مع (كوفيد- 19) انقضت الايام الثقيلة لعام 2020 وخاضت البشرية حرباً عالمية في خندق واحد، ضد عدو مشترك، حرب وجود وليست حرب حدود ومن دون حاجة لتفويض من مجلس الأمن الدولي الذي همشه (كوفيد - 19) وحول انظارنا الى منظمة الصحة العالمية، وكان 2020 عام حرب وامتحاناً عسيراً، اختبر إيماننا واجهزتنا التنفسية واجهزة الدولة ومؤسساتها ودوائرها ومنافذها ومدارسها وموظفيها، واكتشف هشاشة اقتصادنا وقلة انتاجنا وشحة 
مواردنا وكثرة فسادنا وتنوع «كلاواتنا» واستمرار كسلنا التاريخي واعتمادنا على النفط، كمعيل وحيد للاسرة والدولة العراقية، فإذا تدفق وبعناه بسعر مرتفع أكلنا وشربنا ولهونا، وإن توقف وانخفض سعره افتقرنا وجعنا وبكينا وشحذنا، مثلما تكاسلت وعجزت مراكز ابحاثنا عن انتاج لقاح 
مضاد، فتمت اضافته الى قائمة مستورداتنا في عامنا الجديد 2021.
عندما داهمنا الوباء مطلع هذا العام، كانت أشد مخاوفنا هي انهيار النظام الصحي في العراق، لكن معجزة ما قد حصلت وصمد نظامنا الصحي، وحين تم فرض حظر التجوال الشامل بقي الاختلاط وقلة الالتزام علامة واضحة في حياتنا واسواقنا ومواسم الزيارات والمناسبات الدينية الاجتماعية وتجددت المخاوف من وقوع كارثة صحية وماخشينا وقوعه لم يحصل لكن دون تفسير وتحليل لهذه الاسباب، فواقع حالنا من النواحي الصحية والبيئية والاقتصادية والقانونية، ليس مؤهلاً للتعامل مع جائحة كورونا التي تساقطت امامها دول كبرى متقدمة علينا في جميع المجالات، واليوم لا أجد تفسيراً علمياً ومنطقيا للوضع الصحي في العراق، وتراجع الوفيات والاصابات قياساً بالدول القريبة والبعيدة التي سجلت احصائيات مرتفعة أضعافاً مضاعفة لإحصائياتنا المعلنة رغم قدراتها الهائلة.
امس كنا في ندوة حول كورونا تحدث فيها مسؤول في وزارة الصحة، ونقيب الاطباء وعضو في لجنة الصحة النيابية، واشاروا الى نتائج متفائلة مخالفة للتوقعات وكشفوا ان الخط البياني للاصابات والوفيات بدأ بالانخفاض مباشرةً بعد تسجيل مخالفات واسعة كالاختلاط والتقارب والتجمعات الكبيرة التي شهدها  العراق والزيارات الدينية التي رفعت درجات القلق الى أعلى مستوى، وانتاب الأجهزة الصحية الذعر منها لشدة الاختلاط بين آلاف المواطنين لأيام متتالية، وهكذا في كل ظروف حياتنا وأزماتنا التي نعيشها ونتجاوزها ولا نعرف لماذا وكيف تجاوزناها بإمكاناتنا المتواضعة، وفي هذه الحالة العصية على الفهم نحن امام تفسيرين، الأول هو الاستسلام لتفسير العاجزين عن التفسير الذين يعلقون كل الأمور على الأقدار، ونحن مثلهم نؤمن بأن الله هو اللطيف بعباده وهو ارحم الراحمين، ولكن بكل عباده وليس بالعراقيين فقط من دون المسلمين والانسانية والذين توفوا بكورونا مواطنون عراقيون ابرياء وبعضهم لم يرتكبوا ذنباً واحداً في حياتهم، ونعلم أن أنظمتنا الصحية والبيئية والقانونية وحتى الأمنية والمجتمعية ليست بوضع جيد ومستقر، ولكن هكذا الحال في كل مقدماتنا ونتائجها المعاكسة للمنطق، فما سر هذه الاحصائيات المبشرة وغيرها من فوازير وطلاسم غير مفهومة وما سر اللامنطق في ارتفاع سعر دار السكن ولماذا هو الأغلى في «اسوأ مدينة للعيش» ولماذا توزع الحكومات اراضٍ سكنية منذ تأسيس الدولة العراقية، فلا الاراضي نفدت ولا ازمة السكن حُلت ولا حلم العراقي بالحصول على قطعة ارض حل مشكلته، ولماذا حين يحلم المواطن ويتحقق حلمه يبيع (قطعة الحلم) رغم انها ملك طابو!. هذه التساؤلات تبدو الاجابة عليها سهلة، لكنها ليست كذلك وهي شواهد على نتائج خارج حدود العقل والمنطق في بلد مختلف يستعصي على الفهم .. مع دعاء لا ينقطع للباري عز وجل أن يلطف بنا ويرحمنا ويحل ازماتنا ويقوي مناعتنا الصحية والوطنية، ويمن علينا بالأمن والاستقرار والرفاهية ويمنع الدول من التدخل في شؤوننا الداخلية.
اما لماذا لا يستجاب كل دعاء العراقيين، فلأن بعضهم يدعو بالذرية الطيبة قبل أن يتزوج .. وكل عام وانتم بخير.