عادات الميلاد في النرويج.. من الفايكينغ الى اللوثريَّة

منصة 2020/12/28
...

  اوسلو: سندس الساعدي
من المتعارف عليه أنْ يحتفل المسيحيون في ليلة 24 كانون الأول بولادة السيد المسيح عليه السلام، ولكن هذه الاحتفالات اكتسبت عدة عادات وتقاليد وطرأ عليها الكثير من التغيرات عبر الزمن.
في وقتنا الحاضر اعتادت أغلب الشعوب في أنحاء العالم مع قرب حلول شهر كانون الأول/ ديسمبر، الاستعداد لأعياد الميلاد المجيدة وكذا في مملكة النرويج، فتعلق الزينة والأنوارَ وتنصبُ أشجارَ أعيادِ الميلاد وتزدهرُ أسواقُ الأعياد، وتُنَظَمُ الحفلاتُ والعروضُ المسرحيَّة.
ومن ضمن التقاليد النرويجيَّة أنْ تقيم الشركات والدوائر ومجموعات الاصدقاء ما يسمى بـ»عشاء عيد الميلاد» ويكون وقتها قبل يوم الميلاد على اعتبار عشية عيد الميلاد هي خاصة بالأهل والمقربين.
ويكون يوم الثالث والعشرين يوماً للأسرة، تصنع فيه معجنات خاصة وتقدم وجبة عصيدة الأرز مع السكر، والقرفة، أما اليوم التالي فيقضي بعضهم نهاره في الكنيسة، أو قضاء نهار هادئ، ثم تجتمع الأسرة مساءً لفتح الهدايا التي جُمعت تحت شجرة عيد الميلاد، يتناولون العشاء معاً، ولذا تغلق معظم المطاعم أبوابها، ويسود الهدوء في الشوارع وتبدو وكأنها خالية. واعتاد النرويجيون في هذا اليوم إعداد عشاء مميز كالديك الرومي، أو السمك المقدد او أضلاع اللحم. 
النرويج لم تدخل لها الديانة المسيحيَّة إلا بعد القرن الحادي عشر للميلاد على أيدي الملوك الذين دخلوها بالسيف بحسب التاريخ النرويجي في الفترة الزمنيَّة من عام ٩٣٥ حتى عام ١٠٢٨ ومعها صار الدين المسيحي هو الدين الرسمي للبلاد، فالشعوب الاسكندنافيَّة كانت شعوباً وثنية، وعملية التنصير لم تكن سهلة، وكما يعتقد المؤرخون فقد سبق دخول الملوك وجود مبشرين استطاعوا أنْ يقنعوا أفراداً هنا وهناك وجاء هذا الاعتقاد اعتماداً على اختلاط الرموز المسيحيَّة بالوثنية في تلك الحقبة، التي سبقت دخول الملوك المسيحيين بقليل.
وبذلك فكان لا بُدَّ عند طرح الدين الجديد استبدال الآلهة الاسكندنافية القديمة بأخرى تتناسب مع معتقدات الدين الجديد.
تجدر الإشارة الى أنَّ أجواء الاحتفالات هذه كانت موجودة عند الاسكندنافيين من قبل المسيحيَّة، ولكنَّ الاحتفاء كان مرتبطاً بيوم منتصف الشتاء أو ما يسمى بـ»الانقلاب الشتوي»، وفترة الاحتفالات كانت تمتد من ١٤ شهر تشرين الثاني الى ١٣ من كانون الاول، في طقوسٍ وثنيةٍ، ومع تسمية الديانة المسيحية رسمياً للبلاد بدأت عملية استبدال العادات الوثنية، أو إضفاءِ طابعٍ مسيحي عليها، كي يتقبلها العامة تدريجياً، فمثلاً عادة شرب كأس النبيذ في المحافل ربطت بالشكر للمسيح والقديسة مريم من أجلِ عام سلام وعام جيد، فقد كان الوثنيون يتناولون النبيذ فقط متمنين عاماً جيدا قادماً إليهم.
ويعتقد المؤرخون أن ذبح الماشية يكون بسبب الشتاء القاسي وطول فترته فبالتالي سيقل العلف المخزن، ومن البديهي أنْ تذبح الماشية لتقليل الحيوانات لما يكفيها من العلف، فتقام الولائم على هذه الذبائح، وكانت من عادات الاسكندنافيين ترك الطعام في تلك الليلة للأموات، وتترك الأسرة فارغة أيضا، ويفترشون الأرضَ في اعتقادٍ بأنَّ أمواتهم سيزورونهم تلك الليلة.
أما نصب أشجار الميلاد فقد وصلت الى النرويج من ألمانيا وهي رمز للحياةِ الأبديةِ، وتُزينُ بكراتٍ زجاجيةٍ رقيقةٍ قابلةٍ للكسر لتمثل الكرة الأرضية وما عليها التي تحتاج الى الاعتناء بها وإلا فإنَّ مصيرها الكسر كهذه الكُريات المعلقة على الشجرة.
أما سانتا كلوز (بابا نوئيل) فهي عادات جديدة نسبياً في النرويج انتشرت في نهاية القرن التاسع عشر. وأُضيف إليها إكليل الميلاد والتقويم والنجمة.
أما الهدايا فهي قديمة وقبل المسيحية فاعتاد الأثرياء تقديم الهدايا لبعضهم البعض، ثم حورت بعد المسيحية وربطت بقصة الحكماء الثلاثة وما حملوه من هدايا للمولود الجديد يسوع كما تحكي رواياتهم. واستُحدث بعدها ارتداء الأطفال ملابسهم الأنيقة وتنقلهم من باب الى باب للحصول على هدايا عيد الميلاد، ولا يعلم النرويجيون كيف وصلهم هذا التقليد.
المسيحيَّة التي دخلت إلى النرويج كانت المسيحية الكاثوليكية في بداية الأمر، ولكن بعد الاصلاح وتسلم الكنيسة اللوثرية زمام الأمور في البلاد في القرن الثامن عشر حاول الكهنة اللوثرية تغيير ما سموه بالعادات الوثنية والكاثوليكية. فالاحتفال بالمسيحية لدى المسيحيين الأوائل كان مثيراً للجدل واستشكلت عليهم بعض الطوائف. والملفت ايضا ان الدين الوثني الاسكندنافي وشعوب الفايكينغ تؤمن وتقدر مبادئ الشرف والشجاعة والإرادة ولذا هم يميلون لشخصية المسيح (ع) المحارب القوي على عكس الشعوب الأوروبيَّة الأخرى التي تمثله بالمصلوب المتألم.
ومع تنوع التقاليد والثقافات يبقى منبع الأديان السماوية واحداً، ولهذا نؤمن أنَّ المسيح ابن مريم رسول الله وكلمته كما جاء في كتاب الله العزيز {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه}.