حكاية سجَّان

الصفحة الاخيرة 2021/01/09
...

حسب الله يحيى 
وأنا اقرأ رواية الصديق الاستاذ علي حسن الفواز «مسرات سود» التي ورد فيها ذكر سجان يدعى (مهاوي) الذي كان يجد لذة في تعذيب السجناء والاساءة اليهم ؛ تذكرت سجاناً موصلياً يفوق مهاوي، كان هذا السجان يختارنا نحن الخمسة للتعذيب اليومي الذي كنا نعده فطور الصباح، لكنه يميز اربعة منا ويستأثر بالخامس ليعذبه ثلاث مرات، قبل الفطور وقبل الغداء وقبل العشاء!. وكنا قد استسلمنا لهذا الامر حتى دبغت جلودنا ـ كما يقول المثل، واعتدنا على ما يفعله بنا هذا السجان على وفق مزاجه او بأمر من مسؤوليه، فليس بنا حاجة الى سؤاله، لاننا كنا ندرك أن سؤالنا سيكون جوابه هو المزيد من وجبات التعذيب، لكن فضولنا بات يحك جلودنا ويلح على كل واحد منا:- لماذا نعذب نحن الاربعة مرة واحدة، بينما يعذب صاحبنا الخامس ثلاث مرات ؟! . وتقدم احدنا بالمبادرة والشجاعة وسأل: - ابوعبدالله، لماذا حصة صاحبنا مضاعفة, لماذا لا تخفف عنه ليكون مثلنا ؟
 حدق بوجوهنا واحداً واحداً، كأنما كان يسألنا بدوره : 
- هل تغارون منه، وتريدون حصتكم مماثلة لحصته ؟! 
وجد صاحبنا نفسه في (ورطة) كبيرة وقد وضع نفسه فيها من دون سبب . ـ انتم الاربعة عليكم تهمة واحدة، كل واحد منكم متهم بالمعارضة والشغب، اما صاحبكم فعليه ثلاث تهم، فوجئنا بما أورده هذا السجان، وعجبنا كيف يختبئ زميلنا الذي يقاسمنا طعامنا ومنامنا وانفاس زنزانتنا من دون أن يقول لنا انه موقوف على وفق ثلاث تهم ؟.
لكن ابا عبد الله اوضح لنا الامر:- صاحبكم عليه ثلاث تهم هي: انه مشاغب، وانه نصراني, وانه يسكن في منطقة الساعة- وكانت هذه من احياء الموصل القديمة التي يسكنها المسيحيون - ولما لم نكن منتمين اصلا لاي تنظيم سياسي وانما كنا نبحث عن عمل لسد جوعنا، كنا مطمئنين لبراءتنا، لكن تهم صاحبنا كانت غريبة وعجيبة في ذاك الزمن العصي، فلا المكان كان تهمة، ولا الدين كان سبة، لكن السجان اتخذ منها تهماً جديدة وبشكل تعسفي يمارس على وفقه عدوانية على زميلنا الذي ما كان له خيار في سكناه ولا دينه، وانما كان له مجرد مطالب عادلة، فهل كان السجان الذي عرفناه وعشنا زمنه الصدئ، يفوق السجان (مهاوي) في رواية «مسرات سود» ؟ .
كان (مهاوي) سادياً وعصابياً وعدوانياً ونزقاً ومثلياً وعنيناً، بما لا يقبل الشك، لكن (ابا عبد الله) كان عنصرياً وطائفياً معتقاً يفوق سواه من السجانين الذين يملك بعضهم قدراً من الشفاعة وبعضاً من الانسانية، الا أن جذر الكراهية ـ كما يبدوـ كان متأصلاً في ذهنية  (مهاوي) كما عند (ابي عبد الله) وقد تحولت هذه الكراهية الى حقد اعمى والى سلطة ذاتية تمارس اعمالها الاجرامية من دون أن تحمل ذرة من الضمير او قدراً من الرأفة، او قدراً مهما كان ضئيلاً من الحس الانساني الذي يراعي انسانية الانسان !