صالح الكويتي.. الأب الحقيقي للموسيقى العراقيَّة المعاصرة

فلكلور 2021/01/13
...

 حامد كعيد الجبوري
صباح يوم 20 / 11 / 2020 نهضت من سرير نومي وأنا أردد أغنية زكيَّة جورج التي لحنها الموسيقار العراقي صالح الكويتي وكتب كلماتها الشاعر جبوري النجار (وين رايح وين)، لا إرادياً بكيت وكأني أخاطب نفسي، وأقول لها (وين رايح وين).
انتقلت أسرة يهوديَّة من مدينة شيراز الإيرانية واستوطنت محافظة البصرة، وحصلت حينها على الجنسيَّة العراقيَّة، الظاهر أنَّ هذه الأسرة المكونة من زوج وزوجة لم يطيب لها العيش في البصرة وانتقلت إلى دولة الكويت، وولد لهذه الأسرة ولدان الكبير صالح ولد في الكويت 1908، وولد لهم ولد ثان اسمياه داود. ولد في العام 1910 في الكويت، وهما يهوديان عراقيان ولدا في الكويت، وكانا موسيقيين اشتهرا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين بوضع ألحان لمطربي تلك الفترة، فضلاً عن وضع العديد من المقدمات واللزمات الموسيقيَّة.
 
"أبو الموسيقى العراقيَّة"
لقب صالح الكويتي بـ(أبو الموسيقى العراقيَّة)، وهو أول من أسس الأغنية المأخوذة من المقام العراقي، كما لحن لأشهر مطربات ومطربي تلك الحقبة في العراق أمثال سليمة مراد، عفيفة اسكندر، داخل حسن، زهور حسين، منيرة الهوزوز.
أبوهما عزرا بن يعقوب أرزوني وهو من مواليد شيراز انتقلت أسرته بعد ولادته من إيران إلى مدينة البصرة, في بداية القرن العشرين.
أبدى صالح وداود شغفا بالموسيقى منذ الصغر، وتلقيا دروساً في العزف والغناء لدى الموسيقار الكويتي المعروف خالد البكر، في البداية تعلما الألحان الكويتيَّة والبحرينيَّة واليمانيَّة والحجازيَّة، وتعرفا على الموسيقى العراقيَّة والمصريَّة بالاستماع إلى أسطوانات، وحين تقدما في العزف والغناء اشتركا في إحياء حفلات لدى المعارف والأقرباء والشيوخ والوجهاء في الكويت ثم في باقي أقطار الخليج.
 
العزف على الكمان
كان صالح الكويتي ماهراً في العزف على الكمان، واشتهر أخوه داود بالعزف على العود، وفي العام 1927 رافقا المطرب الكويتي المعروف عبد اللطيف الكويتي إلى البصرة لتسجيل أسطوانات، نال الأخوان الإعجاب والتقدير في البصرة من مطربين عراقيين كبار، ومن العاملين في حقل الموسيقى والغناء، كما استغلا وجودهما هناك لتوسيع مداركهما في أصول المقام العراقي 
وتفرعاته. 
في العام 1929 قررا الانتقال نهائياً إلى بغداد حيث عملا كعازفين في ملهى الهلال، وهناك اقترحت المطربة العراقية المشهورة سليمة مراد على صالح الكويتي أنْ يحاول تلحين بعض الأغاني، فأخذ قطعاً شعريَّة من الشاعر الغنائي المعروف عبد الكريم العلاف ولحن في فترة قصيرة عدة أغانٍ منها (قلبك صخر جلمود، هوّه البلاني، آه يا سليمة، ما حن عليّ، منك يا اسمر، خدري الجاي خدري)، ولقيت هذه الأغاني إقبالاً منقطع النظير من قبل الجمهور، الأمر الذي شجع صالح الكويتي علي إعطاء التلحين اهتمامه الأول، وفي العام 1932 كان لصالح الكويتي لقاء فني مهم مع الموسيقار المصري الكبير محمد عبد الوهاب الذي زار بغداد لإحياء حفلات غنائيَّة على (مسرح حديقة المعرض)، وقد أبدى الوهاب آنذاك اهتماماً خاصاً بالألحان العراقيَّة ونقلها من صالح الكويتي بالنوتة في لقاءاتهما الليليَّة، لا سيما لحن اللامي الذي وسعه صالح الكويتي ولم يكن معروفاً خارج العراق وقد استعمله عبد الوهاب في ما بعد في تلحين عددٍ من أغانيه ومنها أغنية (جبل التوباذ).
 
إعجاب أم كلثوم
في 20 تشرين الثاني 1932 زارت بغداد سيدة الغناء العربي أم كلثوم وأعجبت بأغنية (قلبك صخر جلمود) التي لحنها صالح الكويتي للمطربة سليمة مراد، وقد غنت أم كلثوم هذه الأغنية في حفلاته بعد أنْ علمتها سليمة مراد اللحن والكلمات، وهذه هي المرَّة الوحيدة التي غنت فيها أم كلثوم لملحن غير مصري.
حين أسست الإذاعة العراقيَّة عام 1936 كلفت الحكومة صالح الكويتي بتشكيل فرقة الإذاعة الموسيقيَّة، وقد عملت هذه الفرقة برئاسته إلى أنْ استقال عام 1944 وقد استمر في تقديم برامج خاصة في الإذاعة بعد 
استقالته. 
في العام 1951 وبحكم الظروف التي نشأت بسبب النزاع العربي الإسرائيلي وصدور قانون إسقاط الجنسيَّة ترك الشقيقان صالح وداود الكويتي العراق، فكان ذلك بالنسبة لهما نهاية حقبة حافلة بإنتاج فني غزير، منحهما مكانة مرموقة في الأوساط العراقيَّة الشعبيَّة والرسميَّة على حد سواء.
أسسا بعد انتقالهما لإسرائيل (دار المقام العراقي) الذي يستمر بعمله وليومنا هذا. 
ويذكر أنَّ في يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 تمت إقامة حفل للاحتفال بذكرى ميلاده المئوي في جامعة لندن في مركز الدراسات الشرقية والأفريقية.