في الجهد الفولوكلوري والتوثيق

فلكلور 2021/01/20
...

يستعرض موضوعنا هذا الجانب الحيوي من الصناعة الثقافيَّة الثقيلة التي تبدد الكثير منها عبر الزمن وتوالي الأحداث رغم إخلاص العاملين في حقولها, ونحن إذ نذكر بما جرى ونحرص على عرضه, نتمنى أنْ تستطيع أية مؤسسة ثقافة عراقيَّة العمل على استعادة ما ضاع, وتجميع ما تبعثر, وبناء ما يمكن تنفيذه لتتكامل صورة جديدة للبناء الثقافي العراقي.
نشرت دراسات وكتبٌ متعددة في الحكاية الشعبيَّة العراقيَّة, أبرزها الكتب التي قدمها السادة: د. داود سلوم وصادق راجي وكاظم سعد الدين ود .صبري مسلم وقاسم خضير عباس، ود.شفيق مهدي الحداد ويوسف أمين قصير وخيري سعيد.
وهناك كتبٌ ودراسات للحكايات الشعبيَّة الكرديَّة والتركمانيَّة والمندائيَّة والسريانيَّة والكلدو آشوريَّة العراقيَّة بلغاتها الأصليَّة, ومنها ما هو مترجم للعربيَّة للأساتذة د.عز الدين مصطفى رسول وعبد اللطيف بندر أوغلو وأ .د بدرخان السندي ود.سعدي المالح, وأدمون لاسو وسواهم.
كل هذه الكتب والدراسات مفيدة لتوثيق هذا الجهد للخزين السردي الشعبي العراقي, لكن جمع وتوثيق الحكايات الشعبيَّة العراقيَّة بصورة علميَّة بدأ بتجربة المركز الفولوكلوري العراقي في ستينيات القرن الماضي التي كان يديرها الأستاذ لطفي حبيب الخوري رئيس تحرير مجلة التراث الشعبي الأسبق والذي سعى منذ بدء عمله في المجلة الى جمع الحكاية الشعبيَّة العراقيَّة وتكليف هواة التراث الشعبي من معلمين وقراء وطلبة بكتابة النص من أفواه الرواة وإيصاله الى المركز الفولوكلوري الذي تولى التبويب والخزن ثم عملية النشر في المجلة.
إنَّ جهداً أولياً رائداً مثل هذا كان يمكن أنْ يستمر بنجاحٍ لولا عدم حرص الإدارة العليا المشرفة على المركز على وجوده، إذ (اندرست) وتبعثرت آثاره في الثمانينيات بعد دمج دار الشؤون الثقافيَّة برئاسة تحرير (آفاق عربيَّة) وضياع معالم المركز رسمياً.. وتلك حكاية محزنة بدأت بتقاعد لطفي الخوري عام 1983 وخروجه من المجلة وهو بعد قادرٌ على العطاء.
الحكايات المحزنة في الحقل الثقافي العراقي كثيرة, ضاعت خلالها جهودٌ توثيقيَّة كبيرة أبرزها خزانة المركز الفولوكلوري العراقي, ومحتويات (أرشيف القصة العراقيَّة) الذي كان يشرف عليه الدكتور مالك يوسف المطلبي وتساعده نخبة من القصاصين والنقاد ومنهم: د.شجاع مسلم العاني وأحمد فياض المفرجي وعبد الجبار عباس ود. خالد الراوي وسليم السامرائي وغازي العبادي وخضير عبد الأمير وسواهم.
مولت الأرشيف مادياً (المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون) في منتصف سبعينيات القرن الماضي, واحتفظت ببطاقاته لسنوات للقيام بإنتاج أعمال دراميَّة، وفجأة انتهت أعمال اللجنة وغاب المشروع عن الأنظار.. بل فقد الى يومنا هذا!
من المشاريع الثقافيَّة الفنيَّة التي ضاعت بفعل الحروب أرشيف السينما والتلفزيون, وذاك موضوعٌ محزنٌ آخر لا سبيل الى إعادة تخزينه إلا ما عثر عليه في أقبية شبكة الإعلام العراقي التي ورثت ما تبقى من (موجودات) المؤسسة السابقة التي تناثر معظمها خلال المعارك وعمليات السطو المنظمة وغير المنظمة على موجوداتها وموجودات (المؤسسة العامة للسينما والمسرح) التي كان مقرها مسرح الرشيد الذي دمر خلال الحرب.
إنَّ ما ضاع وتناثر وتحول الى دراهم سحت وحرام ينبغي أنْ نعيد بناءه بشتى الوسائل وبهمة عالية نرجوها وذلك لإعادة ترميم الذاكرة العراقيَّة الثقافيَّة المستباحة مراراً.
إنَّ العمل الطوعي والمخطط له بشكلٍ منهجي علمي لهذه المشاريع وسواها ينبغي أنْ نبدأ به مهما طال الزمن لضياعه وتوقفه, ذلك أنَّ حماس المنتجين الحقيقيين للثقافة العراقيَّة ينبغي أنْ ينصرف الى الاتجاه التوثيقي سعياً الى استعادة ما ضاع.. وقد ضاع الكثير.