شخصيات فولوكلوريَّة تركت أثرها في الذاكرة العراقية

فلكلور 2021/01/20
...

  شكر حاجم الصالحي
منذ نصف قرن من الزمن تعرفت عليه فأعجبت بطيبته وعفويته ورقته وموهبته الشعرية التي ملأت الآفاق, كان الملا محمد علي القصاب (1934 ــ 2004) المولود في مدينة الحلة قد امتهن القصابة وصار دكانه الصغير ملاذاً لمحبي فنه وشخصيته الظريفة الودودة, وقد برع في نظم الأشعار الحسينيَّة وإلقائها في ليالي عاشوراء وأصبح (رادوداً) يشار إليه في الأوساط الشعبيَّة
وفي جلساتنا الليليَّة كان يشنف مسامعنا بعذوبة صوته وجمال أدائه, ورغم تعليمه المتواضع إلا أنه أبدع في صياغة أجمل الألحان وأرق الأشعار وشكل مع قرينه المطرب الشعبي الكبير سعدي الحلي (1931 ــ 2005) ثنائياً فنياً حازا من خلاله شعبيَّة وانتشاراً كبيرين, وكانت باكورة تعاونهما المشترك أغنية (يخمري) التي لحنها وكتبها القصاب وأداها الحلي.
وتوالت الأعمال في مسيرتهما الحافلة بالعطاء فأردف القصاب صاحبه الحلي برائعته (أنا ردت دوم تدلل) التي حظيت بشهرة واسعة, وكان الفضل في تكريس إبداعهما يعود الى صديقهما عباس مهدي الوادي صاحب تسجيلات (أبو عامر) الذي تولى توثيق جلساتهما الخاصة وحفلاتهما العامَّة من خلال أشرطة التسجيل الشائعة في تلك الأيام, ولولا عباس الوادي لضاعت معظم أغنيات الملا القصاب وألحانه الشعبيَّة.
وواصل القصاب حضوره الفني حتى بعد انتقال الفنان سعدي الحلي الى العاصمة بغداد ودخوله الإذاعة كمطربٍ معتمدٍ، فلم تنقطع وشائج الصلة بين الاثنين, وكانت أغنية (حبيبي أمك متقبل من أحاجيك) آخر أغنية لحنها وكتبها الملا محمد علي القصاب وأداها الحلي بنجاحٍ وتميزٍ رائعين, فقد كانت كلماتها من أروع ما كتبه الشاعر ومن أجمل ألحانه ــ رغم أنه لم يتعلم الموسيقى ولم يدرسها في معهدٍ متخصصٍ, ولنلاحظ من خلال هذه الأغنية صدق مشاعر الشاعر ولغته المأنوسة الشفيفة بمفرداتها المدهشة:
حبيبي أمك متقبل من أحاجيك 
روحي امعلكه بيك
أمي امفرعه تدعي يمته يهديك
روحي امعلكه بيك
حاير ممتحن شرتكب يا راي فكري كله يمك
وامي تكلي عفيه امسودنه هاي كون ابكلبي اضمك
لعيونك أروحن فدوه يهواي وأمي فدوه لامك
تلبسك تعتني بشعرك تداريك روحي امعلكه بيك 
أمك طاغية يا زين الاوصاف تتباهه بجمالك
وعماتك عليك اتغار وتخاف حتى من خيالك
وخالاتك يلقبنك يشفاف بالنسبه لدلاك
وانا راح القبنك واسميك روحي معلكه بيك
أي موهبة هذه التي تقف وراء هذا النص الزاخر بالمعاني، المشبع بالحس الإنساني والجمال، لا سيما أنَّه يأتي من لسان شاعر لم ينل من التعليم الكثير سوى ما تلقاه في الكتاتيب وصفوف محو الأمية, كما ولم يدرس الموسيقى ولم يتعرف على أسرارها، لقد كان الملا محمد علي القصاب شاعراً وفناناً عفوياً وفطرياً رحل الى العالم الآخر من غير زواج وذرية تذكره بين الانام.
رحم الله القصاب ورفيق رحلته سعدي الحلي عسى أنْ نتذكرهما في عيد الفن إنْ بقي له في حياتنا ما يذكرنا به.