حَكـمتْ المحكمة!!  

الرياضة 2021/02/14
...

علي رياح  

في تجربتي الشخصية، لم أشاهد أو أعرف مناخا كرويا محتقنا كالذي نعيش فيه موسمنا الكروي الحالي .. في إمكانك أن ترصد حالة من السخط والاحتجاج حدّ الاشتباك اللساني الذي يتطور أحيانا إلى الاشتباك الجسدي ، والسبب خطأ لاعب ، أو هفوة حكم ، أو تمرد مدرب على طلبات البعض من الجمهور ، لهذا تشعر وأنت تتابع أية مباراة وكأنها الفيصل بين حياة أو موت ، كأن نتيجتها تكتب واقعا مختلفا ، فهو إما إيجابي مشرق يرضي الأنفس ، أو سلبي معتم يستدعي كل هذا الشد العصبي الذي يحاصر اللاعب والمدرب وينعكس على الحكم ولا يسلم منه الإداري!.  
كتبت في هذا الشأن بالذات قبل أيام ، وعلق زميلنا الصحفي والمؤرخ المرموق الدكتور منذر العذاري مطالبا بالعودة إلى (المحكمة الكروية) كواحد من الحلول التي يمكن أن تنتشلنا من هذا الاحتقان العجيب. 
الجيل الكروي الحالي ربما لم يسمع بمصطلح المحكمة الكروية التي تتوقف عند الأخطاء في القرارات وفي التصرف على المستوى الفردي وعلى مستوى الأندية برمتها ، ولكن العشرات من لاعبينا ومدربينا وحكامنا حتى المشاهير منهم تعاطوا مع قرارات هذه المحكمة بكل ما حملته من حسم وجزم وصرامة .. تأسست المحكمة بقرار من اتحاد الكرة عام 1985 وضمت رعد حماد شهاب وسامي ناجي وعلي كريم وعقدت جلستها الأولى يوم السبت الحادي والعشرين من كانون الأول.. وكنا في كل أسبوع ننتظر وقائع هذه المحكمة التي لم تكن علنية ، لا مرافعات أو نيابة أو محامي دفاع فيها ، إنما هي عبارة عن اجتماع ثلاثي يضم إليه بعض المعنيين بقراراتها في كل مرة .. تلك القرارات كانت تهز الشارع الكروي العراقي، لكنها كمحصلة تعمل بشكل حقيقي وملموس على ضبط الكثير من ردود الأفعال والتصرفات خلال المباريات ، إذ إن العقوبات كانت تتراوح بين الغرامة المالية والإيقاف أو الحرمان لمدد طويلة ، ومن أطرف ما جاء في قراراتها في الجلسة الاولى تغريم عدد كبير من اللاعبين مبلغ خمسة وعشرين دينارا ، منهم جليل حنون وسعد قيس ويونس عبد علي وحارس محمد وثامر يوسف وغانم عريبي ومحمد فتحي لمجرد حصولهم على الإنذار في واحدة من المباريات!.  
كثير من التفصيلات ترد الآن في الذاكرة عن قرارات قاسية اتخذتها المحكمة الكروية برغم أنها كانت (حالة) نادرة ربما لم تألف التنظيمات الكروية في العالم مثيلا لها.. لكنها وللإنصاف كانت تؤدي دورا في (ضبط) الكثير من الحالات قبل تحولها إلى ظواهر.  
سؤالي الآن : هل يمكن العودة بالزمن وإعادة الروح إلى تلك المحكمة في ظل ما نشهده من فوضى عارمة؟ الجواب بكلمة واحدة : مستحيل .. مع تكرار حرف الياء مرات عدة .. فالكل له نفوذ وهيمنة وسطوة في يومنا هذا .. البعض لا تردعه عقوبة ، ولا يخيفه حرمان .. أو مجرد التفكير في حرمانه!.