ما هي العمارة المحليَّة؟

بانوراما 2021/03/27
...

كاميلا جيسليني  
ترجمة: مي اسماعيل
يمكن تعريف العمارة المحلية بأنها نمط العمارة التي تنتمي لمنطقة أو مقاطعة معينة، باستخدام مواد تقليدية وموارد من المنطقة التي يقام فيها المبنى. ومن ثمَّ فإن تلك العمارة تنتمي انتماء وثيقا لسياقها وعلى دراية بالخصائص الجغرافيّة المحددة والجوانب الثقافيّة لمحيطها؛ إذ هي شديدة التأثر بها. ولهذا السبب يكون هذا النمط من العمارة متفردا من نوعه في أماكن مختلفة في العالم؛ ليكون وسيلة لتوكيد الخصوصية والهوية المحلية. 
بوجود مثل تلك الخصائص المتميزة؛ قد يصبح تعريف العمارة المحلية غير واضح نوعا ما؛ ولهذا السبب كتب المؤرخ المعماري البريطاني “بول أوليفر” عن الحاجة لطرح تعريف أكثر دقة للمصطلح، في كتابه “بنيت لتلبية الاحتياجات: القضايا الثقافية في العمارة المحلية” (2006)، والذي كان جزءا من مشروع “موسوعة العمارة المحلية في العالم”. 
قادته أبحاثه لتعريف العمارة المحلية بأنها العمارة التي تشمل مساكن الناس ومنشآتهم الأخرى، المرتبطة بيبئاتهم ومواردهم، والتي يشيدها عادة أصحابها أو المجتمع العام باستخدام التقنيات التقليدية.
انها عمارة تُقام استجابة لمتطلبات محددة؛ لتحتوي على قيم واقتصاد ونمط حياة ثقافة محددة، وبناء على هذا التعريف أشار د.”روبنيلسون برازاو تيكسيرا” (البروفسور المشارك بالجامعة الفيدرالية في ريو غراندي دو نورتي- البرازيل) عام 2017 الى صفتين رئيستين ترتبطان بالعمارة المحلية: التقليد 
(tradition) والسياقية (contextualization). هو يرى أن كل عمارة محلية هي تقليدية من حيث أنها نشأت من مجموعات عرقية محددة، وكانت نتيجة لعملية طويلة مع مرور الوقت؛ تعتمد دائما على الأشكال المألوفة التي أنشأتها الأجيال السابقة. 
اضافة لذلك فان العمارة المحلية (وكما ورد سابقا) تحترم أيضا الظروف والمحددات المحلية، وتسلط الضوء على حساسيتها الكبيرة للسياق الجغرافي للمحيط؛ بما في ذلك المناخ والنباتات 
والتضاريس.
 وبسبب هذه الاخيرة؛ جرت معالجة العمارة المحلية وإعادة النظر بها في العديد من الممارسات المعمارية المعاصرة لتلعب دورا مهما في مجتمع اليوم؛ إذ إن تلك المباني توفر خصائص مناخية حيوية رائعة وتثبت أنها أمثلة حقيقية على الاستدامة المعمارية. ولهذا السبب تجري دراسة المقاربات المعمارية التاريخية ويعاد انتاجها في مشاريع تهدف (على سبيل المثال) الى تعظيم كفاءة الطاقة في مجالات الضوضاء السلبية والتحكم الحراري، مع تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الى البيئة.
 
اداة لربط المجتمع
كان المعماري “لوشيو كوستا” أحد الباحثين الاساسيين في العمارة المحلية بالبرازيل أواخر القرن الماضي، والذي عرَّف تاريخ العمارة البرازيلية عن طريق تقديم مراجع من جميع أنحاء البلاد؛ كان منها- الاوكاس الشهير “Ocas”؛ وهو البيت التقليدي لسكان البرازيل الاصليين، وإقامة البناء على ركائز متينة مغروزة عميقا في الارض (تعود للفترة الاستعمارية) وغيرها من بين أمثلة أخرى، هذه المنشآت تقام بشكل يكاد يقارب المفهوم الغريزي؛ لكن تقنيات الانشاء تحسنت بمرور الزمن، وأصبحت الآن ايضا بالغة 
التعقيد. 
إلى جانب الاستدامة، تُلقي العمارة المحلية الضوء على قضية أساسية أخرى اليوم؛ فهي تمثل الهوية الثقافية لمجموعة عرقية معينة، لتصبح أداة تربط بين أفرادها وموقعهم الجغرافي، ولتُنمّي فيهم حس الانتماء الى الفضاء الذي يعيشون فيه، هذه الرابطة بالغة الأهمية اليوم؛ في زمن تنمو فيه التوجهات نحو تشتيت الأفراد؛ نتيجة للتحولات المستمرة للأنظمة الثقافية. يظهر هذا في أعمال بعض المكاتب المعمارية اليوم؛ ومنها مكتب العمارة الأنغولي “مجموعة بانغا- Grupo BANGA”؛ الذي يرى معماريوه أن استخدام المواد المحلية المتاحة والقليلة التكاليف يوفر رابطة أكثر قرابة الى الهوية المعمارية المحلية. وهو ما يخلق في الوقت ذاته احساسا بالاندماج والتعريف والمشاركة المجتمعية؛ لمساعدة الافراد على تعريف العمارة المحلية على انها عمارة تحترم وتتكيف مع المُحددات المادية والتكنولوجية لسياقها، والتي نشأت كنتيجة حقيقية لبيئتها وشعبها 
وتاريخها.