قبل أيام اشتكى مواطن من الموصل حال الموصل وحاله من على إحدى القنوات الفضائية. فبادر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الى الإتصال بالرجل واستضافته في إحدى جلسات البرلمان. بعدها بأيام أظهر تقرير لإحدى الفضائيات رجلاً يتسول على قارعة الطريق قال إنه كان وزير الري في حكومة عبد الكريم قاسم. ومع أن هناك من "نبشّ" في تاريخ الوزارات العراقية ليكتشف لا وجود لوزير باسم سامي إبراهيم علي في تلك الحقبة بل لا وجود لوزارة باسم وزارة الري في حكومة قاسم. وزارة الري تأسست فيما بعد بسنوات.
مع ذلك بادر وزير العمل والشؤون الاجتماعية باسم عبد الزمان الى زيارة الرجل في مكانه بالشارع وبادر الى تهيئة ما يلزمه من عيش يليق بـ"وزير" سابق حتى لو كان فضائياً. الفنان الكبير حسين نعمة كتب مؤخراً على صفحته بالفيس بوك ما بدا وكأنه آخر أغانيه الحزينة، اذ كانت أغنية "ياحريمة" أيقونة الحزن العراقي الجميل ممثلاً بالثنائي حسين نعمة وياس خضر ومعهم جيل السبعينيات مثل فؤاد سالم وحميد منصور وسعدون جابر ورياض أحمد وقحطان العطار الذي استغرب في وقت مبكر ممن يطالبه أن "يغني بفرح".
حسين نعمة أعلنها صريحة أن "ضنك العيش" أجبره أن يطلب الهجرة من الوطن، وحدد بوضوح بلداناً خليجية دعاها لاستضافته مع عائلته بعد أن يئس من تعيين أولاده الثلاثة وكلهم يحملون شهادات في الهندسة. المفرح بالأمر ان استجابة الدولة برئاساتها الثلاث لم تتأخر. رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح اتصل هاتفياً بالفنان مستفسراً عما دفعه الى طلب الهجرة من الأرض التي غنى لها أجمل الأغاني. رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي أمر بتعيين أحد أولاده في وزارة النفط. رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي كان أول المبادرين لم يكتف بالإتصال بالفنان بل دعاه الى الحضور الى البرلمان.
بلا شك أن هذه المبادرات وما تمثله من التفاتة يشكر عليها الرؤساء الثلاثة بحق فنان كبير بحجم حسين نعمة أوقفت ما هدد به وربما عالجت جزءاً من مشكلته. لكن كم فناناً وأديباً ومثقفاً في كل حقول الفن والإبداع من الشعر الى القصة والرواية والسينما والمسرح والغناء حالهم إن لم يكن أسوأ فهو ليس أفضل من حال حسين نعمة؟ الكثيرون بالتأكيد وقسم منهم معروفون أيضا وتركوا بصمة واضحة في الحقول التي برعوا فيها.
هل المطلوب كتابة بوستات جماعية يعلنون فيها ما يعانونه من "ضنك عيش" لكي يتم الإلتفات لهم سواء بأوامر تعيين أو اتصالات هاتفية أو دعوات استضافة؟ الأمر سيكون صعباً بالتأكيد لأن حلولاً من هذا النوع تبقى حلولاً فردية لا تمس جوهر المشكلة. والمشكلة مثلما يعرف الجميع عامة. المسؤول عنها هو الفساد الذي شكلنا له مؤخراً مجلساً أعلى لمكافحته بعد أن عجزت هيئات مستقلة لها "طنة ورنة" عن مكافحته. المسؤول أولاً وأخيراً عن "ضنك عيش" حسين نعمة هي "سياسة التلزيك".