الشغب الكروي بدأت بوادره خارج أسوار الملاعب

الرياضة 2021/03/29
...

 قراءة: د. حسين الربيعي

شغب الملاعب هو سلوك عدواني سرعان ما يتحول الى عنف تجاه الاخرين. يبدأ بفرد او مجموعة صغيرة لينتشر كالنار في الهشيم بين الجماهير. وتختصر منظمة اليونسكو تعريف هذه الظاهرة عند التحذير من ازديادها وخطورتها في نهاية العقد الثامن من القرن الماضي بأنها شكل من اشكال الانفعال بقصد الحاق الضرر والاذى بالآخرين. وتشير جميع الدراسات المهتمة بهذا الشأن الى ان الشغب والعنف في الملاعب يتم التخطيط له مسبقا، ومن هنا تأتي خطورته الاجتماعية.
الدرس البريطاني
بدأت ظاهرة الشغب والعنف في مختلف الرياضات البريطانية منذ عهد بعيد يعود للقرن الثالث عشر. كانت الدوافع صراعات طبقية ونزاعات ملكية وعرقية وسياسية، وانتماءات دينية، فهذه مجتمعة مع تناول الكحول والمخدرات تؤدي دورها في تغذية مشاعر المشجعين على الشغب والعنف. ولقد دفعت بريطانيا والكثير من دول العالم ثمنا باهظا جراء العنف في الملاعب، ابتداء من حرمان الاندية والجماهير من المشاركة في البطولات الدولية الى صرف أموال وجهود طائلة لمكافحتها، ناهيك عن السمعة السيئة التي تجنيها الاندية والمدن والدول من هذه الظاهرة وتأثيرها على السياحة والاقتصاد.
 
علامات واضحة
أحد اهم مسارات الشغب والعنف في كرة القدم انه يبدأ بصافرة حكم او الاعتراض عليها من لاعب او التحامه مع لاعب من الفريق المنافس، لتشارك دكة الاحتياط في حركات اعتراض تغذي غضب الجماهير في الملعب ليبدأ الصياح والسب والشتم والعنف، ليمتد بعد ذلك الى خارج الملاعب. وبغياب الجماهير عن الملاعب بسبب جائحة كورونا، فان الشغب والعنف عندنا في العراق بدأت بوادره المؤسفة خارج اسوار الملاعب. فالشهرة وتصدر حديث الاعلام يستحوذ على اهتمام الرياضيين والمشجعين في الرياضة عموما وفي كرة القدم خصوصا، فمن لا يجدها في اللعب او التدريب او التحكيم او الادارة او الاعلام، فانه سيبحث عنها في العنف والشغب. البحث عن الشهرة والتميز أحد أهم اركان الرياضة، ولصعوبة تسيد المشهد في الحسنات، يسعى البعض لإيجادها في السيئات. فبعض الناس لا يهمهم سوى ان يكونوا مميزين بين اقرانهم حتى لو جاء هذا التميز والشهرة من تصرفات رعناء ومبتذلة. اعتقادا من هذا المشاغب ان ذلك يمنحه الريادة بين اقرانه، وعندما يكون الاقران جماهير، وهم كم خليط من الناس تكون فيه الريادة لأصحاب الصوت المرتفع، فريادته من الباحثين عن العنف والشغب ستكون سهلة المنال.
 
الوحدة الوطنية
شغب الملاعب آفة فتاكة، ان ترعرعت فانها ستخلف شرخا كبيرا في الوحدة الوطنية والانسجام المجتمعي. لان أكثر انديتنا تمثل مدنا ومؤسسات، فابن اي مدينة او مؤسسة لا يرضى ان يجلب لمدينته او لمؤسسته نفر معتوه من المشاغبين السمعة السيئة بسبب سلوكياتهم المشينة. فالمسؤولية كبيرة على الجميع في وضع حلول حاسمة، حتى ان كلفت ايقافا مؤقتا للرياضة. وللذين فاتتهم معاني لغة الايماء والاشارة التي غالبا ما تستخدم من قبل اللاعبين والجماهير فانها للأسف تؤدي اغراضها على أسوأ وجه. فرفع مسدس حقيقي او لعبة اطفال او صورة مسدس على ورقة او حركة يد على شكل مسدس، فانها جميعا توحي باستخدام فعل المسدس، وهو العزم على استخدام العنف المسلح. استخدام حركة الكف عرضية على الرقبة عند الاحتفال بهدف تعني (الذبح)، وهو أعتى اعمال العنف.
 
حرب الرياضة
 أما استخدام كلمة جيش واطلاقها على مجموعة لاعبين او مشجعين او إداريين فيعني أنك تستعد لحرب لا مجال لأي شكل من اشكالها في الرياضة، ونحن من المناهضين لكلمة (يقاتل) كناية عن الروح المعنوية العالية التي يؤدي فيها اللاعب او الفريق داخل الملعب، لأنها واحدة من مفردات العنف!! فكيف نسمح بذلك؟ وعندما تضاف كلمة (جيش) الى اسم نادي او مدينة او شخص ويتم الاعلان عن ذلك بشكل مادي صارخ، فان القانون يجب ان يعاقب على ذلك بتهمة تأسيس (او حتى الدعاية لتأسيس) جيش او ميليشيات خارج إطار القانون.
 
الشرطة والديوانية 
انجر نادي الشرطة العريق وجماهيره لصراع خطط له واراده شخص واحد فقط من الديوانية، لغايات متعددة منها المخفي ومنها المعلن، على ان اهمها والمعلن منها هو جعل فريق الديوانية ندا منافسا من نفس مستوى فريق الشرطة، على امل ان تكون المنافسات المقبلة بينهما تتسم بطابع (الديربي) بين الكبار.
 
تصدر المشهد
يعتقد الطرفان انهما حققا غايتيهما: فلقد تصدرا المشهد الاعلامي لايام متوالية، والديوانية حقق الهدف بأن الحديث عنه يقترن دائما مع الحديث عن الكبار، والشرطة تعتقد ان غريما جديدا لها بمستوى فريق الديوانية شيء مرحب به بسبب سهولة الفوز عليه مقارنة بغرمائه التقليديين، وهذا سيساعد في تفريغ جزء من شحنات غضب الجماهير المحتملة مع الغرماء. نعم نجح الناديان: الشرطة والديوانية في مسعاهما لتصدر المشهد، لكن كرة القدم في العراق، كانت الخاسر الاكبر.
 
مراقبة الظاهرة
العقوبات للأشخاص والجماهير واللاعبين والإداريين والاعلاميين ولكل من يعبث بأمن الملاعب مطلوبة، ويجب ان تكون قاسية، لان الثمن باهض ان اضطررننا لدفعه وما دام العنف وشغب الملاعب يتم التخطيط له مسبقا من قبل قليلي الوعي، بتهيئة محركاته مقدما على شكل فعل او تصريح او حتى كلمة عابرة، فعلى الجميع مراقبة هذه الظواهر بعناية لإيقاف محركات العنف قبل تشغيلها، وابعادها كليا عن أجواء
 المنافسات.