في الشرق الأوسط تأخذ الحرب توجهاً رقميَّاً

آراء 2021/03/29
...

   روكسان فارمانفارمايان وجاي مينز     ترجمة: أنيس الصفار                                              
 
في شهر كانون الأول الماضي خرجت علينا الانباء العاجلة بأن روسيا قد أقدمت على عملية قرصنة كبرى اخترقت بها وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة. خلال الفترة نفسها تقريباً كانت هناك ايضاً اخبار أقل صدى عن عملية اختراق نفذتها إحدى دول الشرق الأوسط. زعمت تلك الأخبار أن السعودية كانت تتجسس على صحفيين تابعين لشبكة الجزيرة الإعلامية الممولة من غريمتها دولة قطر وذلك باستخدام برنامج اسرائيلي للتجسس.

كلا الخبرين تضمن تسللاً سيبرانياً وسرقة بيانات، بيد أنهما تضمنا جانباً مشتركاً آخر أكثر اهمية وهو أن ما من أحد أبدى شعوراً بالمفاجأة أو الصدمة ازاء أي 
منهما.
يتحول الخليج بسرعة الى حقل تجارب تمارس فيه أساليب وأخلاقيات ما يطلق عليه “الحرب الهجينة”. ثمة تقرير حديث صادر عن منبر الشرق الأوسط وشمال افريقيا في جامعة كمبرج يستعرض محركات وتوجهات هذه الستراتيجية الخليجية الآخذة بالنمو والتطور. فمع وجود الأجندات الدينية المتصادمة والداعمين الدوليين المتنافسين قضت السعودية وإيران 30 عاماً وهما مشتبكتان في صراع جيوسياسي. جهد كل من الطرفين في بناء أذرع قوّة تمكنه من خصمه باستخدام طرق وأساليب شتى لم تصل الى مستوى الحرب، من تقوية كل طرف جماعاته الاقليمية الموالية له الى تضخيم كل طرف صوت الجماعات المعارضة للطرف الآخر، وعدا ذلك كله كان هنالك استخدام متصاعد للهجمات السبرانية المسدّدة صوب اهداف محددة. تتيح أساليب الحرب السبرانية لكل من هذين الخصمين مخرجاً يحرره من المأزق الأخلاقي، لأنها أقل من الحروب التقليدية إيقاعاً للقتلى بين الناس وهي مع ذلك قادرة على التسبب بفوضى واضطراب عظيمين. 
للسعودية وإيران أسلوبان في الحرب السبرانية مختلفان جداً عن بعضهما، إذ اختارت السعودية ان تحصل على معظم ما تحتاج اليه من تطور سبراني عبر مصادر خارجية وشراء معدات لتنفيذ عمليات سبرانية معينة مصممة حسب الطلب من متعاقدين خصوصيين في الولايات المتحدة واسرائيل وبريطانيا. كذلك تستخدم السعودية جحافل من الروبوتات لتعزيز صورة المملكة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي في اوقات الازمات، وللحد ايضاً من الضرر الذي أصابها في اعقاب جريمة قتل جمال خاشقجي مؤخراً. في الوقت نفسه حاولت المملكة تقوية دفاعاتها السبرانية، لاسيما من خلال إقامة بنى تحتية مؤسساتية واسعة لمعالجة الأمن السبراني. بدأ هذا النهج في العام 2017 عبر تأسيس ما يسمى “الهيئة الوطنية للأمن السبراني”، وهي المناظر السعودي للقيادة السبرانية في الولايات المتحدة، ووضعت تلك الهيئة تحت أمر مكتب الملك مباشرة، فضلا عن الاتحاد السعودي للأمن السبراني والبرمجة والطائرات المسيرة، وهي منظمة ترعاها اللجنة الأولمبية السعودية وتتولى بناء تجمع من المحاربين السبرانيين السعوديين المهرة.
في غضون ذلك كانت إيران تطوّر برنامجها الدفاعي المدمج متعدد المنصات، ونظراً للمعوقات التي وضعتها العقوبات في طريقها، وما تواجهه من عزلة على الصعيد الدولي بقي برنامجها هذا في معظمه من إبداعها المحلي، ولو أنها تتلقى بعض المساعدة من روسيا والصين. في العام 2013 تعهدت الصين بمساعدة إيران على تطوير شبكة الإنترنت الخاصة بها المسماة “شوما”، وهي شبكة مستقلة عن الشبكة العالمية. هذه الشراكة يتوقع لها أن تتوسع بموجب صفقة أمنية أمدها 25 عاماً يجري التباحث بشأنها حالياً بين الدولتين. التقدم الذي أحرزته إيران في هذا الميدان أسهم في جعلها واحدة من اكثر دول المنطقة تقدماً في المجال 
السبراني.
اشتداد سخونة المواجهة السبرانية في منطقة الخليج تنطوي على دروس لجميع الدول بغض النظر عن حجمها او مستوى غناها او ايديولوجيتها. فالمسألة بالنسبة لأية دولة بلا استثناء لم تعد “إذا ما تسللت أدوات التجسس والتخريب والهندسة الاجتماعية الى شبكات حاسباتها من دون أن يشعر بها أحد”، بل كيف سيمكن التصدي لهذا التهديد المتصاعد وبأية سرعة.
    
عن مجلة «فورن بولسي»