لا انفكاك بين الحداثة والتعليم والمعرفة

آراء 2021/03/30
...

  رزاق عداي
مطالعة بسيطة لكل ثورات الحداثة في العالم تؤكد أن التعليم والمعرفة هما الركنان الاساسيان في كل انطلاقة في هذا المضمار، والامثلة كثيرة، فلو اغفلنا البحث في الحداثة الغربية للوهلة الاولى، والتي يعتقد اهلها انهم كانوا المبادرين الأول لها، وهنا الحديث يطول، رغم اهميته، فالغرب يعتقد ان الحداثة قدر عقلانيته - حسب تعبير ماكس فيبر - لانه تحول كوني شامل، نتج عنه العصر الحديث.
 
وأول المقومات في الحداثة الغربية هو التعليم والمعرفة، في الشرق اولى الحداثات هي ريادة مصر، حصرا في تجربة ( محمد علي باشا ) في مطلع القرن التاسع عشر، والتي ما انفكت موضع بحث ودراسة، اذ كان هاجس رائدها -محمد علي - رغم ما قيل عنه، انه كان اميا، كان هاجسا معرفيا وسعيه الاول المحموم هو الشروع في فتح المدارس النظرية والمهنية على نطاق واسع، وفي ارسال البعثات الى دول الغرب المتقدم (فرنسا على وجه الخصوص ) وجلب المعلمين والعلماء والمختصين الى داخل مصر.
كان وعي- محمد علي- بالغ الاهمية في تحديد ما يتطلبه من نهضة حقيقية حدد لها معايير مهمة اقتضت منه بالدرجة الاولى، التركيز على المنظومة التعليمية، وكلنا يعلم ان تلك الفترة من تاريخ مصر - قبل مجيء محمد علي - كانت العلوم جامدة لا تتناسب مع ما تتطلبه النهضة، لذا استوجب الاهتمام بالجانب التعليمي، الذي هو مفتاح النهضة الحقيقية.
الباحثون يعتقدون ان حملة - نابليون بونابرت - العسكرية على مصر في عام 1799 كانت تمثل بداية تنبه الشرق الى (الحداثة الغربية)، فهذه الحملة لم تجلب العسكر والمدافع فقط، انما كانت تحمل فرقا علمية وتعليمية، ربما انطوت على اغراض استعمارية، ولكنها في الوقت نفسه شكلت صدمة معرفية للمصريين، وعلى الانفتاح على الاخر الاوروبي المتقدم، الباحثون يعتقدون ايضا ان تجربة مصر الريادية، كانت سبقت اليابان في فترة - ميجي - بنصف قرن تقريبا، وكانتا كلاهما متشابهتين في الظروف التي احاطت بهما، وفي الرغبة في الانفتاح على الغرب في مجال التعليم والمعرفة، اليابان اليوم تحتل موقعا متقدما في المشهد العالمي الاقصادي - والتقني، رغم انها كانت تعاني في اول نهوضها من نقص في عوامل الانتاج، ولكنها ردمت هذه الهوة بالاستعانة بما حققته من تقدم بوسائل التعليم والمعرفة.
ما نلاحظه اليوم شكل تغيرا جذريا في مجال التعليم والمعرفة، والحقيقة ان الانعطافة في هذا المجال حصلت في القرن العشرين، اصبحت المسافة بين المعلومة والانسان قريبة جدا بقدر المسافة التي تفصله عن مفتاح الحاسوب (الكومبيوتر)، والمدى الزمني بات قريباهو الاّخر لا يتعدى الدقائق او حتى الثواني، وصار من الصعوبة التنبؤ بسرعة التقنيات في كل مجالات الحياة.
جائحة - كورونا- التي جثمت على القلوب، سرعَت في تطبيق التقنية الالكترونية في مجال التعليم، ففي الماضي كما الفناه سابقا، كان المعلم ينقل العلم عن طريق الشرح والرد على الاستفسارات عن طريق المحادثة المباشرة، اليوم اصبح المتعلم يجلس في بيته ويستمع الى المحاضرة عبر شاشة الحاسوب في اي وقت يشاء، ويتمكن حتى عبر جهاز المحمول الموصول بالشبكة الالكترونية ان يحصل على المعلومة التي يرتئيها، ان تغيرات عميقة على مستويات مختلفة ارتبطت بالانفجار المعرفي الذي يتسم به عصرنا الحالي، وثورة في التطبيقات التكنولوجية، توجب على العراق ان يكون حاضرا فيها.