نصت المادة (109 / ب ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 2004 في 31/ 5/ 1971 على أنه: (يجب توقيف المقبوض عليه اذا كان متهما بجريمة معاقب عليها بالإعدام وتمديد توقيفه كلما اقتضت ذلك ضرورة التحقيق، مع مراعاة المدد المنصوص عليها في الفقرة (أ) حتى يصدر قرار فاصل بشأنه من قاضي التحقيق او المحكمة الجزائية بعد انتهاء التحقيق الابتدائي او القضائي او المحاكمة)، الا أن امر سلطة الائتلاف رقم (7) لسنة 2003 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3978 في 17 / اب / 2003، وبموجب القسم 3 / 1 منه علق عقوبة الاعدام في كل حالة تكون فيها عقوبة الاعدام هي العقوبة الوحيدة المنصوص عليها لمعاقبة مرتكب الجناية، وتضمن عقوبة جديدة لم يألفها التشريع الجزائي العراقي، ألا وهي عقوبة السجن مدى الحياة، كما تضمن انه: ويجوز للمحكمة ان تستعيض عنها بمعاقبة المتهم بالسجن مدى الحياة او بفرض عقوبة اخرى عليه اقل منها وفقا لما نص عليه قانون العقوبات.
وإذا تطرقنا الى امر سلطة الائتلاف رقم 31 لسنة 2003، المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3980 في اذار 2004، نجد أنه عرف السجن مدى الحياة، استنادا لأحكام القسم ( 2 / 1) منه، ويقصد به بقاء الشخص المعني بالسجن طوال سنوات حياته وحتى تنتهي حياته الطبيعية بالوفاة، كما عدل عقوبة جرائم الخطف المنصوص عليها بالمواد (421 و 422 و 423) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 1778 في 15 / 9 / 1969، وجعلها السجن مدى الحياة وعلق العمل بالمادتين (426 و427 ) منه وبذلك اصبح زواج الخاطف من الضحية ليس من شأنه ايقاف الاجراءات القضائية في مرحلة التحقيق او المحاكمة و لا ايقاف الحكم الصادر ضد المتهم، ولا يعد عذرا قضائيا معفيا او مخففا يمكن الاستناد اليه، كذلك جعل عقوبة جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي المنصوص عليها بالمادة (393 ) السجن مدى الحياة، وكذلك الامر بالنسبة للعقوبة المنصوص عليها بالمواد (353 و440 الى 443 ) من قانون العقوبات، ونص في القسم (6) منه على انه :( بالرغم من شروط الكفالة المنصوص عليها في المادة (109 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، يجوز للقاضي الذي يتولى المراجعة في ملف القضية ان يأمر باحتجاز المتهم بارتكاب جريمة تكون عقوبتها القصوى السجن مدى الحياة وعدم اخلاء سبيله لحين المحاكمة مقابل كفالة مالية)، ما يعني جواز اطلاق سراح المتهم في الجرائم المعاقب عليها بالسجن مدى الحياة، ولما كانت عقوبة الاعدام اعيد العمل بها بموجب امر مجلس الوزراء رقم 3 لسنة 2004 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3987 في ايلول 2004، ولكن وفقا للجرائم المنصوص عليها فيه بموجب الفقرة اولا منه، ومنها جرائم الخطف المشار اليها انفا، الا انه لم يتطرق الى جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي مثلا، مما يعني بقيت عقوبتها خاضعة لأحكام امر سلطة الائتلاف رقم 31 لسنة 2003 وهي السجن مدى الحياة، وبذلك فإنها تخضع للجواز المشار اليه بالقسم (6) من امر سلطة الائتلاف رقم 31 لسنة 2003 انف الذكر المتعلق بإطلاق سراح المتهم بكفالة، لعدم تطرق قرار مجلس الوزراء الى الغاء القسم (6) من الامر المذكور.
وحيث ان اوامر سلطة الائتلاف المؤقتة آنفة الذكر بينت معنى السجن مدى الحياة المتجسد ببقاء الشخص المعني بالسجن طوال سنوات حياته وحتى تنتهي حياته الطبيعية بالوفاة، وان محكمة التمييز الاتحادية اوضحت في احد قراراتها ان السجن مدى الحياة يماثل عقوبة الاعدام من حيث الاثر، اذ يترتب عليه بقاء المحكوم في المؤسسة العقابية الى حين انتهاء حياته بالوفاة، مما يعني عدم امكانية شمول المتهم بالجرائم المعاقب عليها بالسجن مدى الحياة بإطلاق السراح بالكفالة، اسوة بالجرائم المعاقب عليها بالإعدام تطبيقا لأحكام المادة (109 / ب) من قانون اصول المحاكمات الجزائية انف الذكر.
وعلى اساس ما تقدم يتضح وجود تناقض بين احكام (الفقرة ب من المادة 109 الاصولية ) والقسم (6) من امر سلطة الائتلاف رقم 31 لسنة 2003، الامر الذي يقتضي الغاء القسم رقم (6) من الامر انف الذكر بغية اعمال القاعدة العامة المشار اليها بالمادة (109 / ب) الاصولية، ولما كانت عقوبة السجن مدى الحياة عقوبة دخيلة على التشريع العراقي ويترتب عليها اثقال كاهل المؤسسة العقابية بمحكومين لا تنتهي مدة محكوميتهم، إلا بانتهاء حياتهم وما يترتب على ذلك من نفقات تعلقت بتوفير المستلزمات اللازمة لمعيشتهم وإقامتهم من خلال زيادة عدد المؤسسات العقابية لاستيعابهم، وان ذلك يشكل عبئاً على ميزانية الدولة، الامر الذي يقتضي تدخل المشرع لتعديل امر مجلس الوزراء رقم 3 لسنة 2004، حتى يشمل جميع الجرائم المعاقب عليها بالسجن مدى الحياة، التي اشار اليها الامر رقم 31 لسنة 2003، كما ندعو
المشرّع العراقي الى تعديل أوامر سلطة الائتلاف او أمر مجلس الوزراء المشار اليهما آنفا، وفقا لوجهة النظر المتقدم ذكرها، للحيلولة دون تعارضها مع التشريعات الجزائية الإجرائية والموضوعية النافذة، وإصدار التشريعات اللازمة بهذا الخصوص، لضمان وحدة التشريعات والتطبيقات القضائية بما يؤمن حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والإنصاف بسهولة ويسر.