دور الموازنة العامة في حل المشكلات الاقتصاديَّة

اقتصادية 2021/04/12
...

 د . ستار البياتي 
 
معروف لدى الاقتصاديين أن الموازنة العامة: هي الخطة المالية التخمينيَّة للدولة للمدة المقبلة التي تعارف على تحديدها بسنة مالية، كونها تضم في ثناياها جانبين هما: النفقات العامة والايرادات العامة، وبذلك فإن علم المالية العامة كأحد أهم العلوم الاقتصادية يتناول بالاهتمام والدراسة أربعة موضوعات هي:
النفقات العامة، والايرادات العامة، والموازنة العامة، ومن ثم الحسابات الختامية، التي هي مهمة ديوان الرقابة المالية، الذي ينبغي عليه أن يقدم تقريره عن الموازنة بعد ستة أشهر من البدء بتنفيذها. 
وعلى الرغم من أن الموازنة العامة هي موضوع اقتصادي شكلاً ومضمونا، إلا أن هذا لا ينفي الأبعاد السياسية والقانونية والاجتماعية، التي تتميز بها في جوانبها المختلفة، وعلى ذلك يمكن القول إن للموازنة دورا مهما في معالجة الكثير من المشكلات الاقتصادية، ومن أولها معدل النمو الاقتصادي، الذي ينبغي له أن يعبر عن أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة، التي تكون الناتج المحلي الاجمالي وألا يقتصر على القطاع النفطي الاستخراجي (الريعي)، وهذه مهمة الموازنة العامة، التي تقرر معدلاً مستهدفاً للنمو الاقتصادي، لكي يكون محفزاً لتفعيل دور مختلف القطاعات، وعدم اقتصاره على القطاع الريعي فحسب، لأن هذا الأمر جعله مشوهاً كما في وضعه الحالي، الأمر الذي يؤكد مقولة عالم الاقتصاد محبوب الحق: (لقد آن الأوان أن نقلب النظريات الاقتصادية رأساً على عقب ما دامت معدلات النمو الاقتصادي لا تعالج مشكلة البطالة) . 
وللموازنة دور مهم جداً في معالجة البطالة أو الحد منها، المشكلة القاتلة التي يعاني منها الاقتصاد والمجتمع العراقي، والتي صارت تتفاقم على أثر الأزمات التي مر بها العراق والمشكلات السياسية، ويكمن دور الموازنة هنا من خلال وضع التخصيصات المالية  اللازمة، وخلق فرص تشغيل العاطلين، وتفعيل دور القطاع الخاص من أجل استيعاب الداخلين الى سوق العمل بتخصصاتهم المختلفة، وكذلك من خلال آلية الحذف والاستحداث في المؤسسات الحكومية، والانتقال من مفهوم (التعيين) الذي يثقل في حقيقته كاهل الدولة بدليل ما تعانيه مؤسسات الدولة، الى التأكيد على مفهوم (التوظيف) بما يعنيه من تشجيع للمشاريع الصغيرة المتميزة بتوليدها للقيمة المضافة ومشاركتها الفاعلة في تنويع الاقتصاد الوطني. 
وفي هذا المجال يحظى القطاع الخاص بأهمية بالغة في دعم الناتج المحلي الاجمالي من خلال المشاركة الفاعلة مع القطاع العام في دعم الاقتصاد وخلق فرص العمل، ومن دون القطاع الخاص لا يمكن النهوض بالاقتصاد الوطني، وينبغي على الدولة أن تعيد توصيف الأدوار والوظائف بين قطاعها العام والقطاع الخاص، والتنازل عن الدور المركزي للدولة، الدور الدكتاتوري المهيمن والمتسلط على حركة الاقتصاد، وهذا لا ينفي بأي شكل من الأشكال تخليها عن دورها التخطيطي والموجه لمجمل حركة الحياة والاقتصاد، الذي لا نرغب أن تتخلى الدولة عنه، طالما هي مشرّعة القوانين والمنظمة للحياة الاقتصادية والاجتماعية، التي تحتاج دائماً الى المتابعة والتوجيه بعيداً عن الاحتكار والاضرار بالمستويات المعيشية الهشة التي تبقى بحاجة الى 
الدعم. 
وفي هذا المجال نؤكد ليس ضرورياً من أجل تفعيل دور القطاع الخاص ومنحه الدور الذي يستحق في الاقتصاد اعتماد الخصخصة، ومن ثم تخلي الدولة بشكل عشوائي وغير مدروس عن كثير من منشآتها وشركاتها، وانما ينبغي توصيف وتصنيف هذه المنشآت والشركات ودراسة جدواها الاقتصادية في ضوء متغيرات واقع اليوم وتوجهات الدولة وفلسفتها الاقتصادية، ومعالجة بعض شؤونها مثل العمالة الفائضة، وكل ذلك قبل الزج بهذا الموضوع في الموازنة العامة التي يمكن أن يكون لها دور في حل بعض اشكالياته، بعد حفظ حقوق الدولة الاقتصادية وحقوق منتسبي هذه الشركات. 
ومن المشكلات التي تلقي بظلالها على الواقع المعاشي والتفاوت الطبقي في المجتمع، مسألة التفاوت في مستوى الدخول ودعم طبقة الفقراء ومحدودي الدخل، الذي يمكن أن تعالجه الموازنة من خلال إعادة توزيع الدخل بين الفئات الاجتماعية المختلفة بأساليب مختلفة، منها فرض الضرائب التصاعدية على الدخول العالية، وزيادة تخصيصات الاعانات الاجتماعية واعادة توجيه الدعم الحكومي لصاله الفئات الاجتماعية التي تستحقه. 
 
ومن الجدير بالذكر هنا الاشارة الى النفقات التشغيلية والنفقات الاستثمارية، ففي حالة الأزمات، لا سيما المالية والسعي الى سد العجز في الموازنة عن طريق اللجوء الى الاقتراض، نجد من الضرورة اعتماد الموازنات التقشفية التي تركز في مضامينها على النفقات الضرورية، ولكن في الظروف الاعتيادية لا بدَّ من التركيز على النفقات الاستثمارية التي بواسطتها يمكن حل الكثير من المشكلات الاقتصادية، فعن طريقها تتم عملية اعادة الاعمار، ولها الدور الأساس في تنفيذ المشاريع الستراتيجية المهمة في البلد، والتي تؤدي الى دعم الاقتصاد وتفعيله فلا اقتصاد من دون بنى تحتية، وهذه المشاريع لا ينكر دورها في معالجة مشكلة البطالة من خلال خلق فرص العمل وتنشيط السوق العراقية. 
مما تقدم يمكن القول بأن الموازنة العامة تحظى بأهمية بالغة، وتنظيمها بشكل موضوعي يراعي حاجة البلد للإنفاق من دون تبذير أو فساد، يعطي معنى إيجابياً، ورسالة اطمئنان للبناء والاستثمار، وأهمية جباية الايرادات العامة، بعيداً عن جميع الاشكالات التي لا تراعي مصلحة الاقتصاد والمجتمع.