رمضان .. فوق البركان!

الرياضة 2021/04/20
...

علي رياح  

 
أحاط الصحفيون برون غرينوود مدرب منتخب انكلترا الأسبق وأمطروه بالأسئلة بعد الخسارة ، وكانت سهام النقد تنهال عليه من كل صوب .. لم يكن لقاء صحفيا بالمعنى المتعارف عليه ، وإنما كان أقرب إلى المحاكمة العلنية!  
لم يجد المدرب ما يقوله سوى بضع كلمات حملت مغزى كبيرا : في الحقيقة ، إن مستقبلي ليس بيدي ، فعندما يكون أي منكم في موضع المدرب ، فإنه يجب أن يتقبّـل أن يكون مصيره ومستقبله بين أيدي غيره من الناس!  
كلمات أراد بها المدرب بذلك التأكيد على أن المدرب يفعل ما في وسعه وما تتيحه له قدراته الذهنية والخططية ، وينبغي على اللاعبين تنفيذ ما هو مطلوب منهم بقدر ارتباطهم واقترابهم من ذهنية المدرب ، ورغبتهم في الفوز أو الإنجاز .  
وبالطبع ، فإنه كلما تعمّقت العلاقة بين المدرب ولاعبيه ، ارتقى أداؤهم إلى أعلى درجة ممكنة ، بل قد يفعل الفريق – ككل – المستحيل تحت ظلال من الألفة والتعاضد والمحبة والارتباط الصميم.  
هذا المعنى التقطه ذات يوم بعيد مدرب آخر لم يكن له شأن في هذا الميدان الصعب ، وإنما كان لاعبا بارعا .. إنه الهولندي رود كرول قلب دفاع هولندا النابض في العقد السبعيني .. فقد أضاف إلى سجل العلاقة بين المدرب واللاعب بُعدا جديدا ينطوي على فهم لأعمق درجات الاستيعاب والتكيّف النفسي لدى اللاعب .  ففي مطلع عام 1996 قرر المدرب وهو مسيحي (كاثوليكي) الديانة أن يتنازل عن كثير من الأحكام الصارمة وأن يتجاوز خطوطا لم يسبق لغيره أن تجاوزها .. وقرر أن يجربّ صيام أحد أيام رمضان المبارك مع لاعبيه ، ولم يكن هذا اليوم سوى الموعد الزمني الذي جرى فيه لقاء منتخب مصر مع جنوب أفريقيا .. وبسبب أهمية اللقاء ومصيريته ، فإن كرول مدرب المنتخب المصري طلب من لاعبيه اقتطاع هذا اليوم من مسيرة صيامهم ، لكنهم جابهوه بالرفض الشديد والقاطع ، ولم تنفع معهم محاولة أو رجاء .. وكان عليه – بعد ذلك – أن يمتطي الموجة العالية ، ويركب الصعب ويقرر الصيام مع لاعبيه يوم المباراة ، في لون فريد من التضامن الروحي وإن اختلفت العقائد!  
وعندما سألت كرول وقتها عَمّا فعله قال باختصار : إنها محاولة لكي أفهم ما يفعله اللاعبون ، وما يشعرون به .. كنت اتخيلهم فوق البركان وإذا بي أصبح في غاية الهدوء والاتزان لدى الصيام ، على عكس ما يوحي به الجوع والعطش في الجو الملتهب!  
وفـّق الله المنتخب الشقيق ومدربه كرول في تلك المباراة ، وحقق فوزا على منتخب جنوب افريقيا الذي لم يخسر قبلها في (18) مباراة متتالية!  
إنها صورة خلدت في ذاكرتي .. صورة ترتبط بالشهر الفضيل ، وتمتد إلى طبيعة علاقة بين المدرب واللاعب تقوم على التعايش لا على التعسّف .. صورة بدت لي مذهلة في يومها ، لأنها حملت أبلغ ملامح الارتباط الأخوي والمهني والتربوي بين المدرب ولاعبيه .. ومنها تنثال عشرات من الأمثلة النقيضة على أرض الواقع بين لاعبينا ومدربيهم .. وبالطبع ، فإننا لن ندرج هذه الأمثلة هنا الآن ، لأن الحيّز لا يكفي ، وسأكتفي بتلك العبرة النادرة التي تركها لنا المدرب الهولندي!