إعداد: الصباح
يظن البعض أنَّ اللقاحات المتوفرة حالياً المضادة لفايروس (كوفيد – 19)، أنها قد تحمل أخطاراً غير محسوبة، سواء على المدى الطويل أو على المدى القصير.
هذا الظن يأتي من كون اللقاح والمرض حالة مستجدة، غير مكتملة الأركان المعلوماتيَّة، لهذا ظهرت حركة رفضٍ لتلقي اللقاح تستند في معظم الأحيان الى الخلط بين مفاهيم علميَّة بطريقة مقصودة ومظللة.
كما أنها المرّة الأولى في تاريخ الأمراض والأوبئة التي ينتشر فيها الفايروس بهذه الطريقة حول العالم، ويدور بسرعة استثنائيَّة. وهناك آراءٌ علميَّة تقول إنَّ «عصر التنقل بالطائرات»، هو أسرع عصور الانتقال الفايروسي، لهذا أغلقت مطارات العالم أبوابها، إلا لاستثناءات قليلة.
قبل أيام، نشرت صحيفة (نيويورك تايمز)، قصة تستقصي المقاطعات الأميركيَّة (الأقل) إقبالاً على تلقي جرعات اللقاح هي ذات المقاطعات التي صوّتت بشكلٍ كثيفٍ لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسيَّة الأخيرة.
وواضحٌ البعد السياسي في (رفض) تلقي هذا اللقاح، إذ إنَّ إدارة ترامب كان لها موقفٌ بالأصل متخالفٌ مع بعض الحقائق العلميَّة، ومنها أنه هو نفسه لم يلتزم بارتداء الكمامة، ثم أعلن أنه قد أصيب بالفايروس وتعافى منه.
إنَّ رفض اللقاح ناتجٌ، كما تقول بربارا سايمن، محررة (ساينتفك أميركا): «إنَّ التخويف انتشر بالفعل في الأوساط التي تخضع سياسياً عن طريق التخويف أيضاً. ولا ننسى أنَّ الإحصاءات تشير الى أنَّ 6 من كل 10 أميركيين يقرؤون عنوان الخبر فقط، بعدها يكونون مستعدين للحديث في ذلك الشأن».
في استراليا، كانت القيود هي الأشد في العالم على التنقل بكل أشكاله، وجرى بالفعل توزيع اللقاح، وتجاوز ضحايا (كوفيد – 19) حول العالم حاجز 3 ملايين وفاة، أكثر من 10 % منهم توفوا في البرازيل. وتقول مصادر منظمة الصحة العالمية، إنَّ المجتمعات التي لم تتخذ احتياطات كبرى، ستكون عرضة بشكلٍ أكبر لتقديم ضحايا، وسيكون مفعول اللقاح في حمايتها (أبطأ) من غيرها، مهما كان نوع اللقاح المستعمل.
الإعلام يركز بشكلٍ غير مسبوقٍ على أدق التفاصيل في نجاح اللقاحات، والتخوف السياسي دفع بعض الحكومات الى إيقاف استخدام بعض اللقاحات خشية هياج الرأس العام.
يقول الدكتور هنري. أس، ماير، خبير الأوبئة في جامعة كاليفورنيا: إنَّ ضحايا اللقاحات الأخرى غير (كوفيد – 19)، حول العالم أعدادهم ليست قليلة، لكنَّ البشريَّة لم تتوقف عن أخذ اللقاح. وضرب مثلاً بلقاح شلل الأطفال (TOPV) الفموي الثلاثي، يؤدي سنوياً الى انتكاسة عشرات الأطفال، أي أنَّه يتسبب بإصابتهم بدلاً من حمايتهم من الفايروس، لكنه في الوقت ذاته يقدم الحماية لمئات الملايين من الأطفال حول العالم، هذا يعني أنَّ اللقاح يحمي فعلياً مئات الملايين، مقابل نسبة لا تتجاوز 1 في المليون من الفشل والانعكاس.
في ما يتعلق بلقاح (كوفيد – 19)، جرى بالفعل سحب لقاح استرازينيكا لتسببه بخثرة دمويَّة لعددٍ من الأشخاص (ستة على أكثر تقدير)، لكنَّ هذه النسبة تتبع أكثر من 100 مليون جرعة، جرى توزيعها من هذا اللقاح. وسحبت إدارة الصحة الأميركيَّة لقاح (جونسن آند جونسن)، وذلك لتسببه بوفاة سيدة واحدة!، من بين 6 ملايين جرعة جرى بالفعل التطعيم بها.
منظمة الصحة العالميَّة، تقطع بالقول إنَّه لا بديل عن التلقيح، وإنَّ اللقاحات تتفاوت في نسبة فاعليتها والاستجابة الجسمانيَّة لها، إلا أنها كلها لقاحات آمنة بالمعيار الإحصائي. والتلقيح هو المسار الأخير للبشريَّة كي تنهي عملية انتشار الفايروس مثلما انتهت فايروسات خطيرة سابقاً مرَّتْ على هذا الكوكب، ولم تعد اليوم تشكل خطراً عاماً.