فــوز .. وخراب ديار!!

الرياضة 2021/05/18
...

علي رياح  

(البناء) في تجارب منتخبات الفئات العمرية ومنها منتخب الشباب هو الغاية والهدف والأمل في دول العالم المتقدمة كرويا ، بخلاف ما تجري عليه التقاليد في دول أخرى بينها العراق ، فلا غاية تعلو فوق الفوز بكأس شباب آسيا .. وهذا هو الإرث الذي يرافق تشكيل هذه المنتخبات منذ أول فوز لنا باللقب الآسيوي عام 1975!  .
أمر يكاد يكون راسخا في العقلية الكروية التي ترفض القبول بالوجه الآخر على هذا الصعيد ، لا يهم أن تمتد أيدينا إلى اللاعبين الواعدين لتبنّي مواهبهم بصرف النظر عن الفوز والخسارة ، إنما المهم أن يتوج العراق باللقب مهما كانت الوسيلة .. العبث بسجلات أعمار اللاعبين .. التهديد والوعيد .. الرقص على أناشيد وطنية لاستثارة الهمة!  .
لهذا كان العراق في كثير من منعطفات التاريخ الكروي يتسيّد الساحة عربيا وآسيويا في بطولات الشباب والناشئين ، بينما لم يحرز كاس آسيا على صعيد الكبار إلا مرة واحدة ، ولم ينل تذكرة الصعود إلى المونديال إلا في مرة فريدة وحيدة قد لا تتكرر في المدى المتاح أمام أنظار جيلنا أو الـجيل الذي يليه!  .
ولهذا أيضا ، يعتزل معظم لاعبينا عند اجتياز سن الثلاثين بقليل – على سبيل المثال - كما حدث مع كثير من جيل أولمبياد اثينا عام 2004 ، بينما يواصل النجم البرتغالي الكبير كريستيانو رونالدو اللعب حتى يومنا هذا وحتى تحين لحظة الوداع (الحقيقية) التي لا صلة لها بالأوراق الثبوتية في السجلات المدنية لدينا!  
 نحن نرث فكرة (حتمية الفوز) في كل بطولة للفئات العمرية نشترك فيها، وننسى أن للاعب عمراً افتراضياً ، ونتغاضى عن حقيقة أن لقدراته سقفاً ، وأن زج لاعب تجاوز العشرين من العمر بأكثر من سنة في مهمة مع منتخب الشباب ، سيفضي حتما إلى نضوب عمره الحقيقي مبكرا مع المنتخب الوطني الأول .. وقد أسهمنا - نحن الإعلاميين ومعنا الجماهير – وقبلنا المسؤول الباحث عن المجد – في التأسيس لهذا الفكر الذي يأتي معه الفوز .. وخراب الديار ، طبقا للمثل المصري الشهير!  .
ما ترتب على هذه الممارسة التي تنتج إنجازات لكنها تفني أجيالا من المواهب ، يدفعني إلى الشعور بالفرح الشديد وأنا أرى هذا التشدد الذي يبديه نجمنا الكروي السابق عماد محمد مدرب منتخبنا الشبابي وهو يشرع في إعداد منتخب بعمر افتراضي صحيح وقانوني .. منتخب شعاره تواصل الاجيال وليس البحث عن مكاسب مضروبة كما حدث كثيرا من قبل!  .
في عام 1969 حقق منتخب شباب بغداد فوزا مذهلا على منتخب المانيا الشرقية استقر على ثلاثية سجلها النجم المدهش الراحل فالح عبد حاجم .. تغنى العراقيون بذلك المجد ، وما زال جيل ذلك الزمان يذكر ذلك (المنجز) بفخر كبير .. كان الاستثناء في وقتها الناقد الرياضي الكبير إبراهيم اسماعيل ، إذ كتب في مجلة (ألف باء) يقول : فوزنا على المانيا الديمقراطية غلطة دولية يجب الاعتذار عنها!  .
شجاعة فائقة لناقد كبير ، لم يشأ السكوت على ما رآه من (وجهة نظره) عبثا في عمر عدد محدود من اللاعبين ، فركب الموجة المعاكسة مطالبا – قبل 52 سنة – بالتشدد المبكر وسط الفرحة بنصرنا العظيم! .