قراءة تمهيديَّة في خريطة المرشحين

الرياضة 2021/05/25
...

 جواد علي كسار
 
سعى مجلس خبراء الدستور، أحد أهمّ الجهات المختصّة عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلى تقليل عدد المرشحين للرئاسة، من خلال مجموعة تعليمات مشتقّة من قانون الانتخابات الجديد، الذي أقرّه البرلمان مؤخّراً بعد خلافات ليست هيّنة داخل تياراته، ومناوشات بين مجلس الشورى صاحب الحقّ في التشريع دستورياً، ومجلس حماية الدستور الذي له وحده صلاحية البتّ بصحة القوانين التي يُشرّعها البرلمان، بعد أنْيتأكد الفقهاء الستة في هذا المجلس من عدم مخالفتها للشرع، ويؤكد الحقوقيون الستة الآخرون من أعضائه، تطابقه مع الدستور.
 
الإزاحة بالقانون
من أبرز الضوابط الجديدة التي شهدتها مقدّمات الدورة الانتخابية الحالية للرئاسة الإيرانية، ألا يتجاوز عمر المرشح المدّة بين 40 سنة كحدّ أدنى و75 سنة كحدّ أقصى، وهو الأمر الذي أُقصيت بموجبه أسماء لمرشحين بعضهم بارز، كما هو الحال بـأسد الله بادمجيان القيادي الأبرز في حزب «المؤتلفة» العريق، وكذلك محمد غرضي السياسي والوزير الأسبق في حكومة هاشمي رفسنجاني وقبله مير حسين الموسوي، وذلك لمقتضيات التقدّم في العمر. ووفقاً لضابطة أخرى في القانون الجديد، تقضي بضرورة أنْيكون المرشّح قد أمضى أربع سنوات في الأقلّ في مواقع إدارية عُليا، ما قد يؤدّي إلى حذف مرشحين أساسيين، مثل محسن هاشمي رفسنجاني نجل الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، والجنرال سعيد محمد الرئيس المستقيل لمقرّ «خاتم الأنبياء» للإعمار، الطامح بقوّة للصعود إلى الرئاسة. كما أصبح من الممكن تقليل المرشحين عبر تعديل آخر في قانون الانتخابات، أوجب ألا يكون المرشح قد حُكم عليه ليس في جنحة جنائية وحسب، كما كان ينصّ عليه القانون السابق، بل أيضاً بجنحةٍ سياسية، كحوادث «الحركة الخضراء» التي أعقبت الاحتجاجات التي تفجّرت في إيران اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009م، ما يعني عملياً حذف واحد من أبرز مرشحي أركان اليسار والحركة الإصلاحية مصطفى تاج زاده، الذي دخل السجن بعد ما أطلقت عليه أدبيات السلطة وإعلامها، بـ«فتنة عام 88»، في إشارة إلى ما حصل عام 2009م. بشأن مرشّح جدلي إشكالي مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، فأمام مجلس خبراء الدستور أكثر من «حجة» أو «ذريعة» لإزاحته عن طريق العودة إلى قصر باستور مجدّداً، وإسقاط اسمه عن قائمة المرشحين المؤهلين، ربما كان أبرزها «حجة» عدم التزامه عملياً بولاية الفقيه، ومن ثمّ الحكم عليه بعدم الأهلية من خلال القول إنه يعارض أحد أركان الدستور الإيراني، متمثلاً بعدم طاعته بل عدم إيمانه بزعامة المرشد الحالي السيد علي خامنئي.
لكن لستُ أدري حقيقة ما سيفعل مجلس خبراء الدستور مع المرشّح الرئاسي المثير علي مطهري، إذ هو في ورطة حقيقية من أمره، سواء أقرّ ترشيحه أو رفضه.
 
قصة لاريجاني
تبقى إشارة لابدّ منها كي لا نُفاجأ بها في العالم العربي لو حصلت فعلياً. ففي الانتخابات الرئاسية الأولى التي شهدتها إيران بتأريخ 25 كانون الثاني 1980م، بعد التصويت على صيغة الجمهورية الإسلامية غداة انتصار الثورة، منع قائد الثورة السيد الخميني المعمّمين من الترشيح ليس للرئاسة وحدها، بل لجميع المناصب التنفيذية، تاركاً لهم حرية التصدّي للمجلس التشريعي والقضاء وللعمل الدعوي والتبليغي بين الناس. على أثر هذا المنع وكنتيجة له امتنع محمد حسيني بهشتي زعيم {الحزب الجمهوري الإسلامي» من الترشيح للرئاسة، خلافاً لرغبته وأقرانه من بقية قيادات الحزب مثل رفسنجاني وموسوي أردبيلي وخامنئي، وامتثالاً لأمر الخميني، ما أدّى إلى شبه مأزق نشأ عن هذا الفراغ، ليس لـ{الحزب الجمهوري} وحده، بل له ولبقية القوى الثورية.
بعد مداولات واستعراض للخيارات، اتفقت كلمة قادة «الحزب الجمهوري» على تقديم جلال الدين فارسي مرشّحاً للرئاسة، لكن أنصار الاتجاه القومي معهم التيار الإسلامي الوطني، استطاعوا أنْيوجّهوا ضربة قاصمة لهذا الخيار، عندما طعنوا بنقاء الأصل الإيراني لفارسي، وأنه في الحقيقة ينحدر من التبعية الأفغانية ولا يحمل الجنسية الإيرانية بالأصالة بل بالتجنّس. لقد بلغت الضجّة السياسية حيال صحة الأصل الإيراني لفارسي حداً، دفع قائد الثورة نفسه للتدخّل، حين أصدر الخميني توجيهاً تمّ بموجبه استبعاد جلال الدين فارسي وإسقاط ترشيحه، ما جعل الأصوات تتجه بكثافة صوب (أبو الحسن بني صدر)، الذي استطاع فعلاً اكتساح بقية المرشحين والوصول إلى الرئاسة، باستحواذه على نسبة 75٪ من الملايين الأربعة عشر التي اشتركت بالتصويت، إذ بلغت حصته منها نحو أحد عشر مليوناً؛ بالتحديد (10,709,330) صوتاً.
اليوم يسعى البعض لإعادة اللعبة نفسها مع واحد من أقوى المرشحين والمنافس الأكبر لمرشح اليمين الأصولي إبراهيم رئيسي؛ أقصد به رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، وذلك من خلال الاستناد إلى المادّة (115) من الدستور، وعبر الطعن بإيرانيته، لأنه فعلاً مولود في النجف الأشرف، عندما كان أبوه المرجع الديني ميرزا هاشم الآملي يواصل درسه الحوزوي في العلوم الدينية هناك.
أعرف أنَّ علي لاريجاني هو ليس جلال الدين فارسي، بقوّته ومؤهّلاته ومنزلته وشأنه الأسري والاجتماعي والسياسي، لكنه درسٌ مهم لنا ولكلّ من هو خارج إيران، لنفهم من خلاله جيداً؛ أنَّ للسياسة منطقاً واحداً تمليه بمقاسات مشتركة، على جميع البلدان وفي الساحات كافة.
 
معضلة التصفية
واحدٌ من أهمّ ما يميّز الدورة الثالثة عشرة الحالية للرئاسيات الإيرانية من خصائص، هو الكثرة الكبيرة للمرشحين المؤهلين، فمن مجموع (592) مرشحاً هو العدد الذي تمخّضت عنه الأيام الخمسة التي فُتح بها الترشّح قانونياً (المدّة بين: 11 إلى 15 أيار الحالي) هناك ما بين أربعين إلى اثنين وخمسين مرشّحاً بارزاً، ولسنا ندري كيف سيتعامل مجلس حماية الدستور مع هذا العدد، خاصة إذا عرفنا أنَّ أكبر رقم خرج عن هذا المجلس إبّان الدورات الاثنتي عشرة الماضية من الانتخابات الرئاسية، لم يزد مطلقاً على عشرة أسماء. نزولاً عند هذا المستوى من القياس فإن أمام مجلس الخبراء مهمّة صعبة في حذف أسماء أكثر من أربعين مرشحاً، ليستقرّ المشهد الانتخابي على عشرة مرشحين. وهذه مهمّة صعبة بكلّ المعايير، لا ريب أنها ستترك آثارها السلبية على الانتخابات برمتها، إذإنَّ إسقاط أي مرشح ومنعه من خوض المعركة الانتخابية يعني عملياً التقليل من القاعدة الشعبية الانتخابية، بدفع قاعدة المرشح المحذوف إلى الامتناع عن المشاركة، لاسيّما مرشحين من أمثال محمود أحمدي نجاد وعلي مطهري.
 
خريطة المرشحين
أثناء إعداد المقال كنتُ أمام ثلاث قوائم أساسية للمرشحين الأبرز، الأولى تتحدّث عن (40) مرشحاً، والثانية عن (45) مرشحاً، والثالثة عن (52) مرشحاً. اخترتُ أنْأسلّط الأضواء على أهمّ المرشحين من خلال القائمة الثانية، أقصد بها قائمة الخمسة والأربعين مرشحاً.
يتربّع على رأس هذه القائمة إبراهيم رئيسي الرئيس الحالي للقوّة القضائية، وعلي لاريجاني الرئيس الأسبق للبرلمان على مدار ثلاث دورات، وأحد ألمع أسماء الأشقاء الأربعة من أسرة لاريجاني، وإسحاق جهانگيري المرشح الإصلاحي ونائب الرئيس الحالي حسن روحاني، وسعيد جليلي السكرتير الأسبق للمجلس الأعلى للأمن الوطني، ومحسن هاشمي نجل الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني ورئيس مجلس محافظة طهران، وعلي مطهري نجل المفكر الإيراني مرتضى مطهري ونائب رئيس البرلمان السابق.
على خطّ الجنرالات وجبهة العسكر أو ما بات يُعرف في إيران الآن بالخطّ الثالث؛ هذا الخطّ الذي سعى خلال السنوات الماضية إلى تمييز نفسه عن الخطين التقليديين الإصلاحي والأصولي؛ برز اسم الجنرال محسن رضائي الرئيس الأسبق للحرس الثوري، والجنرال حسين دهقان القيادي الحرسي (نسبة إلى حرس الثورة) ووزير الدفاع الأسبق، والقيادي الحرسي الآخر الجنرال رستم قاسمي، والجنرال سعيد محمد آخر رئيس لمقر «خاتم الأنبياء» للبناء، والقيادي البسيجي السابق علي رضا أفشار. أضف إلى هؤلاء من النيابيين والقيادات البرلمانية علي رضا زاكاني رئيس مجلس الدراسات في المجلس النيابي، وحسين قاضي زاده هاشمي النائب الحالي لرئيس البرلمان الجنرال محمد باقر قاليباف، والإصلاحي النائب السابق محمود صادقي، والنائب سابقاً مصطفى كواكبيان، والنائب محمد خوش چهره، والنائب رسول منتجب نيا، والنائب الإصلاحي المعمّم محسن رهامي، والنائب حسن سبحاني، والنائب قدرت علي حشمتيان.
أما الوزراء الذين دفعتهم طموحاتهم السياسية صوب قصر الرئاسة في باستور، فهم يمثلون في الدورة الانتخابية الحالية ظاهرة مكثفة، إذ يبرز من بينهم وزير الصحة الأسبق مسعود پزشكيان، ووزير الاتصالات الأسبق محمد حسن نامي، ووزير الرياضة الأسبق محمد عباس، ووزير العمل السابق محمد شريعتمداري، ووزير النقل السابق عباس آخوندي، ووزير الزراعة الأسبق صادق خليليان، ووزير الاقتصاد الأسبق شمس الدين حسيني.
لم يقتصر الأمر على دائرة السياسيين البارزين وخطّ العسكر وجنرالات الحرس الثوري، بل امتدّ الطموح إلى قيادات مؤسّسية وحزبية أخذت مواقعها على قائمة المرشحين الممتازين، كما حصل مع عزت الله ضرغامي الرئيس الأسبق لمؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، وعبد الناصر همتي المحافظ الأسبق للبنك المركزي، ومحسن علي زادة معاون الرئيس خاتمي، ومحمد شريف ملك زادة رئيس مؤسّسة الميراث الثقافي سابقاً، ومصطفى تاج زادة معاون وزير الداخلية على عهد خاتمي، ومسعود زريبافان رئيس مؤسّسة الشهداء سابقاً، ورامين مهمان پرست الناطق الأسبق باسم وزارة الخارجية، وأبو الحسن فيروز آبادي أمين اللجنة العليا للفضاء المجازي، ومحمود زماني قمي محافظ سابق، ومحمد جواد حق شناس عضو مجلس محافظة طهران وعضو اللجنة المركزية لحزب «اعتماد الوطني»، وعباس نبوي رئيس مؤسّسة التنمية وحضارة إيران، ووهاب عزيزي أمين عام جبهة مجاهدي إيران، ومحمد زارع فومني أمين عام حزب «الإصلاحات الشعبي»، والدبلوماسي محمد حسن قديري سفير إيران السابق في المكسيك وإيطاليا.
من الظواهر المميّزة في الدورة الحالية ترشيح زهراء شجاعي الأمين العام لمجمع النساء الإصلاحيات ومسؤولة شؤون المرأة في حكومة خاتمي. أضف إلى ذلك ظاهرة صاخبة قائمة بنفسها، هي ترشيح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي دفع الأجهزة المعنية في إيران نحو ورطة كبيرة، ووضعها بين خيارين كلاهما صعب، فإذا ما وافق أعضاء حماية الدستور على تمرير اسمه، فسيشكّل حضوره خطراً كبيراً على المرشح اليميني الأصولي الأبرز إبراهيم رئيسي، الذي اتفقت عليه المحاور الثلاثة الأهمّ في جبهة الأصوليين؛ أقصد بها مجلس ائتلاف قوى الثورة (شوراى ائتلاف) جماعة صهر المرشد غلام علي حداد عادل، ومجلس اتحاد الأصوليين (شوراى وحدت) المقرّب من جماعة العلماء المجاهدين في إيران (جامعه روحانيت مبارز ايران) وجبهة الثبات والصمود (جبهة پايدارى) التي تنتمي فكرياً إلى الشيخ محمد تقي مصباح يزدي، وكان نجاد أحد صنائعها قبل أنْينقلب عليها، ولو في الظاهر لأن هناك من لا يزال يعتقد أنَّ «جبهه پايدارى» تعيش حتى الآن في الجو الفكري لمحمود أحمدي نجاد، وأن نجاد لا يزال ينتمي إلى هذه الجبهة فكرياً وسياسياً، بخاصة بعد أنْآل زمام قيادتها إلى وزير داخليته صادق محصولي.
أما إذا رفض مجلس الخبراء تمرير ترشيح نجاد، فسيوجّه ذلك ضربة إلى المشهد الانتخابي، بخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار الرأي الشائع في إيران اليوم، من أنَّ القاعدة الانتخابية لمحمود أحمدي نجاد تتراوح بين 15 إلى 20 مليون ناخب، وهو عدد يعيد إلى الأذهان القاعدة الشعبية الانتخابية لمرشح «الحركة الخضراء» مير حسين موسوي في رئاسيات 2009م، وما جرى من احتجاجات في الشارع، قد يمكن أنْتتكرّر مع أحمدي نجاد.
 
الغائبون
ما يلفت النظر هو غياب عدد من الأسماء عن قائمة المرشحين بعضها بارز، ممن كانت التوقعات تجمع على ترشّحهم، في طليعتهم الجنرال الطموح محمد باقر قاليباف، الذي يبدو أنَّ حضور رئيسي أقنعه بالحفاظ على رئاسة البرلمان والاكتفاء بها في هذه المرحلة. كذلك غاب عن الترشيح محمد رضا عارف ومحمد جواد ظريف وصادق خرازي ومحمد صدر، والسيدة شاهين دخت ملاوردي التي أعلنت استعدادها للترشيح في أكثر من مناسبة.
يمكن القولإنَّ هذه هي الخريطة العامة للمرشحين، لكن تبقى الصيغة الأخيرة لقائمة المرشحين، بانتظار القرار النهائي لمجلس الخبراء، وهو الهيئة التي تقع عليها مسؤولية البتّ في أسماء المؤهلين في غضون خمسة أيام قابلة للتمديد إلى عشرة، لم يبقَ منها إلا أيام قلائل، ويكون على وزارة الداخلية أنْتعلن الأسماء التي فازت فعلاً بتزكية مجلس الخبراء.