فن الأفيش

منصة 2021/05/25
...

 عفاف مطر
 
الافيش (affiche) كلمة فرنسية معناها (البوستر) بالانكليزية، والملصق الإعلاني الكبير بالعربية، والمقصود هنا بالأفيش هو بوستر الفيلم، والذي عليه أنْ يحمل رسالة موجزة جداً عن موضوعة الفيلم كما عليه المهمة الأصعب وهي لفت وجذب 
الجمهور.
ظهر الأفيش أول مرة في فرنسا في دار عروض المسرحيات الأوبراليَّة، ومنها انتقل الى السينما ليبدأ مشواراً طويلاً جداً ما زال حتى يومنا هذا. كلمة أفيش مستعملة أكثر من كلمة بوستر، ذلك أنَّ السينما المصرية هي السينما المؤثرة في الوطن العربي وأقدم السينمات العربية، ولأنَّ السينما المصرية في بداياتها كانت متأثرة بالفرنسية، لهذا انتقلت كلمة أفيش من فرنسا الى مصر كجزءٍ أساسي من العملية الفنية 
السينمائية.
بدأت رحلة الأفيش مع المسرح الذي سبق السينما بقرون عدة، بداية لم يكن معلقاً على الجدران ثابتاً في مكانه كما نراه اليوم، بل كان يوضع على عربات تجرها خيول، يُلصق الافيش على العربة ومدون عليه اسم المسرحية وأبطالها وموعد عرضها، واستمرت الحال كما هي مع بدايات السينما، إلى أنْ أصبحت هناك دور سينما ثابتة، ثَبُت معها الافيش على جدران تلك السينمات. 
لقد اهتم صناع الافلام بالأفيش أيّما اهتمام، ذلك أنَّ الأفيش هو البوابة الأولى لجذب الجمهور الممول الرئيس لصناعة السينما، وهكذا تحول الأفيش من إعلان الى فن، لأهميته في جذب الجمهور لتستمر هذه الصناعة وهذا بالطبع لم يحصل إلا بعد أنْ رأوا كيف نجحت بعض الأفيشات في اجتذاب قطاعات واسعة من الجمهور وكانت سبباً من أسباب نجاحه، وأخرى عجزت عن تحقيق ما عُملت لأجله؛ وبعد أنْ كان الأفيش مجرد لوحة يُرسم عليها أبطال العمل يدوياً، أصبح فناً يخضع للتصميم والإخراج الفني، حتى أنَّ البعض، عدّ الأفيش عملاً فنيّاً قائماً بذاته، مثله مثل اللوحة لا سيّما وهو يحمل توقيع مصمم ومنفذ الأفيش.
قد يعتقد البعض أنَّ رسام الأفيش كان يختاره منتج الفيلم، لكن هذا غير صحيح، فرسامو الأفيش مجرد موظفين في مطابع، مثل مطبعة الراغب في مصر، التي طبعت أكثر من سبعين بالمئة من الأفلام المصرية القديمة، كل أفلام عبد الوهاب كانت أفيشاتها من إنتاج مطبعة الراغب، وكان أغلب هؤلاء الرسامين غير مصريين، أغلبهم كانوا يونانيين، الجالية الأجنبية الأكثر عدداً في مصر حينها، وكان أشهرهم الفنان اليوناني ايستماتس. ايستماتس يكشف عن كيفية رسم الأفيش، حين أجاب أحد الصحفيين عن مهنة رسام الأفيش، ويقول: {أنه لم يكن يعتمد على الصور الفوتوغرافية للممثلين قبل رسمهم على الأفيش، بل كان يصاحب المنتج الى مواقع التصوير ليأخذ فكرة عن موضوعة الفيلم، وعن الأزياء التي يرتديها أبطاله والتي تعبر عن مستواهم الاجتماعي أو مناصبهم ووظائفهم، كأنْ تكون البطلة سيدة من الطبقة الراقية أو خادمة أو طالبة أو عاملة في مصنع...الخ، والبطل كأنْ يكون قبطاناً بحري أو ضابطاً في الشرطة أو مُدرساً أو متسولاً أو قاتلاً.. الخ، وبذلك يكوِّن فكرته عن الفيلم، ومن هنا يستوحي فكرة الأفيش}. إذا كان الفيلم كوميدياً عادة ما يكون الأفيش بكل الألوان، وإذا كان تراجيدياً يكون عادة معتماً وغامضاً، وإذا كان فيلم جريمة عادة ما يكون باللون الأسود والأحمر والأبيض، وهكذا حسب نوع الفيلم يحدد الرسام الألوان التي 
سيستخدمها.
وتطور الأفيش من مجرد رسم صور الأبطال، الى توضيح روح الشخصية التي يؤديها هذا الممثل في ذلك الفيلم، وهنا كان التنافس والنجاح بين رسامي الأفيش. شيئاً فشيئاً تصاعدت أهمية الأفيش لدرجة أن أغلب الممثلين لاسيّما النجوم، يضعون اشتراطات مسبقة لمكان أسمائهم على الأفيش، لأعتقادهم –وهو اعتقاد صحيح- أنه يؤثر على مكانتهم وأهميتهم لدى الجمهور، فكلما كان الأسم هو الأبرز والأكبر حجماً دلّ ذلك على مكانة الممثل في الفيلم من جهة، وفي الخريطة الفنيّة العامة من جهة أخرى، حتى أن بعض الممثلين رفضوا الاشتغال في بعض الأفلام لأن موقع أسمائهم على الأفيش ليس كما يرغبون. كما تنافس المنتجون أنفسهم على جمالية وقوة الأفيش، لما يدركونه من قوة تأثيره على اجتذاب الجمهور، حتى أنَّ بعض الأفلام حققت إقبالاً واسعاً في بداية عرضها، فقط لنجاح الأفيش في الوصول الى قلب الجمهور، مثل فيلم كازابلانكا للنجم المصري أمير 
كرارة. 
وهناك مسابقات عالمية وعربية للأفيش الأفضل.
بيني وبينكم يذكرني الأفيش بأغلفة الكتب، الحقيقة أنَّ هناك الكثير من الفنون التي لم تنل حقها جماهيرياً؛ إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها أبداً، وهذا النوع من الفنون أجلّه 
كثيراً.