علي عبد الخالق
قد يوضع كاتب هذه السطور في خانة الانحياز ضد او مع جبهة ما في الحرب العراقية المحلية على الإرهاب/ السلاح المنفلت، لذا سيكون مفيداً لو عرفنا أساسيات لا مناص من البقاء في حدودها كصحفيين، مهما بلغت الحاجة وبُررت الغايات وسيقت الحجج في الانحياز الى قضية وطن أو انتماء. في مطلع آيار 2015، كنا نعمل في احدى الوكالات، نتابع من خلف المكاتب تطورات المعارك في صلاح الدين ليلاً موصولاً بنهار، كان جواً مشدوداً في غرفة الاخبار الى درجة قضم الأظافر، حتى وصلنا نقطة يقع فيها اي صحفي حين يتم وضعه بين خيارين يحددان فيه مقدار المهنية والذكاء وشحذ الحواس، إما نشر الحقيقة –او ما يؤمن انها كذلك- او السكوت والانخفاض في وجه عاصفة اتهامات بالعمالة للعدو والمساهمة في حرب نفسية ضد ابناء شعبك.
أخذنا الخيار الاصعب، نشرنا خبراً مفاده العثور على ناجين من مذبحة سبايكر، كان مراسلنا يشد شعره غضباً من إلحاحنا للتأكد، وكانت الاتهامات تنهال حتى من زملاء، طُعِنوا بمهنيتنا وذواتنا، سَكّنوا ضمائرهم بصور الشموع، وتفرغوا لنا على وسائل التواصل الاجتماعي، لم أكن لأتذكر هذا الا حين وصلت أم قصي الى واشنطن لتكريمها من اجل فعلٍ شجاع نادر، بينما لم يعتذر لنا أحد!
يحدث في معرض الحديث عن ما تسمى "مواثيق غير مكتوبة" للنزاهة في مهنة النبش في تاريخ الانسان وحاضره والعلاقات السياسية والاجتماعية للدول والجماعات، حين يتداخل احد ما بالشعارات عن العداء للفساد أولاً، وكأن الاعلام صار موطن تأليف المسرحيات لا عرض الحقائق.
لكن ان لم يكن لصحفي حق السؤال، لمن سيكون اذن؟، ولماذا علينا كصحفيين ان "نكون شركاء لمن يتفق، وأعداء لمن يعترض"، ولماذا، ان كان هناك من يريد لنا ان نفهم حصر دور الصحفي في خانة الشراكة او الخيانة، ان يُسلب أي صحفي حق الكلام وهو الأولى به، حتى إن لم يرق ما يكتبه او يعرضه لمزاج مسؤول يملك حق الإسكات او رأي عام مشوش مدفوع بالشائعات.يحدث ان ما لا يُعد عملاً صحافياً يعرض متواصلاً امام الجمهور، انه ببساطة "شغل علاقات عامة" ينافس وسائل التواصل، ولا يمكن معه إصلاح الخطاب بقضه وقضيضه ان لم تتم مواجهة حقيقة مجردة مفادها، ان لمن يتحكم بالمشهد الحالي مزاجا خاصا في استعمال الكاميرا والمايكروفون والقلم، انه هذا الجري المحموم وراء ومكانة ذاتية أرفع للصحفي، بغض النظر عن الدوافع والأبجديات، وبعيداً الـ SHOW عن ترك المتلقي لمهمة وضع أي إطار سياسي او اعتقادي او ميول للواقع المعروض أمامه.
يُباح للكل البحث عن سر فتور المؤسسات في تنمية حواس محرريها ومراسليها ومجموع من يمثل خطابها، ويُباح ايضاً ان نرى مراسلين يكيلون المديح للمسؤول قبل سؤاله في مؤتمرات بلا مقاطعات او أسئلة تستحق ان تقال.عسى ان لا يُقدر لنا الانتظار لسنوات اخرى قبل ان نشهد صحفيين يحملون على عاتقهم مسؤولية صناعة إعلام يعرف منطق النجاح ولا يقبل النفاق او مشاغلة المشاعر، وقتها قد يمكننا القول انه سيكون لهذه البلاد مستقبل يمكنها فيه صناعة حاضرها بنفسها وستستعد للقادم تحت أي ظرف وفوق أي
صعوبات..