رهف ... قصة موت مؤلم

آراء 2019/02/17
...

صادق كاظم
 

رهف طفلة صغيرة بعمر الورد كانت تداعب خيالها صور عن اب حنون يأتيها بالألعاب والملابس الجميلة ويحتضنها كل مساء عندما تريد الذهاب الى النوم ولم يخطر ببالها يوما ان يتحول منزلها الى مسلخ بشري او معتقل صغير من معتقلات قصر النهاية السيئ، وذلك عندما تجرد قاتلها الذي حل بديلا عن امها الحقيقية التي لم تتضح التفاصيل عن كونها متوفاة ام مطلقة متزوجة من شخص اخر بعيدا عن ابنتها، حيث ظلت ابنتها تواجه منفردة القساوة والوحشية على يد قاتليها المتجردين من مشاعرهم  وانسانيتهم حتى موتها الاخير بصورتها المحزنة، حيث ترقد وحيدة على سرير الموت.
ما حدث لرهف امر صدمنا جميعا وهناك اعترافات متأخرة من الاجهزة الحكومية بأن حالة رهف ليست سوى جزء من حالات عديدة يعاني فيها اطفال اخرون من عنف اسري خطير البعض منهم يصاب بعاهات مستديمة والبعض الاخر  يفقد حياته كرهف التي احزننا موتها والطريقة البشعة التي عذبت بها من قبل الشخص الذي تولى تعذيبها وحرق جسدها بالنار وتوجيه ضربات عنيفة على راسها افقدها الوعي وادخلها مرحلة الموت السريري في مشهد مؤلم وموجع وهي تنام  كالملاك بصمت قبل ان تنتفل روحها الى الباري عز وجل .
الذي مارس التعذيب ضد رهف بهذه الوحشية والقساوة المتجردة من كل معاني الانسانية والرحمة والتحول الى وحش كاسر كان هدفه الاجهاز على الضحية والتلذذ بتعذيبها لمجرد انها طفلة صغيرة وبريئة لا تعرف الدفاع عن نفسها والوقوف بوجه من كان يسومها العذاب، بالتاكيد ان موقف الاب السلبي وعجزه عن حماية ابنته المغدورة يجعله في موقع المسؤولية المباشرة عن موتها المؤلم، حين اكتفى بموقف سلبي وصامت شجع من كان يعذبها على الاستمرار بسلوكه المريض، ليكتب النهاية المؤلمة والمتوقعة للضحية التي كان ذنبها الوحيد انها كانت طفلة صغيرة وبريئة وقعت تحت انياب الوحوش الكواسر.
هذه الجريمة في الواقع التي هي  بين يدي القضاء يجب ان تفتح الباب نحو تشريع قوانين تعاقب بشدة على كل من يقوم بمثل هذه الجرائم في تعذيب الاطفال وممارسة السلوكيات الوحشية ضدهم قد تصل الى الاعدام من اجل ردع هؤلاء المجرمين الذين يستغلون غياب التشريع القضائي وعدم وجود روادع قانونية واجتماعية تمنعهم من ارتكاب جرائمهم ومواصلتها والحد منها، خصوصا وان هناك العديد من الحالات المماثة التي لم يعلن عنها وربما قتل فيها العديد من هؤلاء الاطفال الذين لم تتوفر لهم الحماية الكافية للنجاة من هذا المصير المؤسف.
حماية الاطفال المعنفين من عنف وارهاب زوجات الاب او ازواج الامهات امر ينبغي ان تتصدى له المؤسسات المعنية وألا يتحول الامر الى مجرد قضية عاطفية تتحرك حين يقع الضحايا موتى ويتركهم جلادوهم عند ابواب المستشفيات هربا من جرائمهم وتحديا للقضاء والقانون والشريعة السمحاء التي حثت ودعت الى الرأفة بالاطفال الصغار الضعفاء والاعتناء بهم، خصوصا من فقد الام او الاب منهم .هناك سلوكيات مؤسفة وخطيرة  نتمنى ألا تأخذ طريقها الى التحول الى مظاهر وسلوكيات عامة داخل المجتمع العراقي والتي تتمثل في التخلي عن الاباء والامهات من كبار السن ورميهم في دور العجزة والمسنين او اجبار الاطفال على العمل في مهن التسول والعيش في الشوارع والمبيت فيها لفترات طويلة وحرمانهم من حقهم في التعلم والدراسة والعيش بكرامة في ظل اسر مستقرة، كل هذه الظواهر ينبغي ان تدرس وان توضع الحلول لها، اذ ان معالجتها ليست بالامر الصعب والمستحيل مع ضرورة ان تتضافر جهود كل المؤسسات من اجل ذلك صونا لمجتمعنا وحفاظا على القيم الاجتماعية الراقية والزاهرة فيه والمعروفة
 عنه .
غادرتنا ملاك بهدوء ولم تترك وراءها سوى العابها وملابسها ودفاترها الملونة الجميلة تحكي قصة حزينة كتبت سطورها الاخيرة الايادي الاثمة التي اغتالت براءتها بسبب الانانية والحقد، حيث لم يتسع صدر القتلة ليمنحوها فيضا من حنان وعطف بدلا من العنف والموت.