حازم مبيضين
سنمر على موعد الكذبة الشهيرة في الأول من نيسان القادم، بانتظار الكذبة الكبرى بعد التاسع منه، وهو موعد الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، حيث وعدنا زوج ابنة الرئيس الأميركي بإعلان "صفقة القرن"، التي لن تكون أكثر من أكذوبة يتبناها جاهل بالشؤون السياسية، وغير عالم بتفاصيل القضية الفلسطينية، وهي عنده ليست أكثر من دوام الدولة الصهيونية بيمينها التوسعي المتطرف، وليذهب الشعب الفلسطيني المُقتلع من أرضه إلى الجحيم، والمهم هنا أن عقله عاجز عن توقع النتائج الكارثية لأكذوبته التي يحاول الترويج أنها لمصلحة سلام ورفاهية شعوب المنطقة، ويتجاهل الرفض الشعبي لها حتى قبل إعلان تفاصيلها، استناداً إلى فقدان الثقة بكل ما يصدر عن الإدارة الأميركية في فترة حكم "عمّه" دونالد ترامب، وحتى رفض أصدقاء واشنطن من الحكام العرب، رغم العلاقات الستراتيجية بين البلدان التي يحكمونها وبين واشنطن، سواء حكمها الجمهوريون أو الديموقراطيون.
يعتمد صهر الرئيس على الواقع المتشظي للفلسطينيين، الذين تمت دعوة قيادتهم الشرعية إلى مؤتمر وارسو، لكنهم رفضوا الحضور وأعلنوا عدم السماح لأحد بالحدیث باسمهم، صحيح أنهم يعرفون أن أهداف المؤتمر أبعد من قضيتهم وهو يستهدف إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة
، وأن أحد متطلبات ذلك التخلص من تلك القضية، التي يتوهم البعض أنها لم تعد حائلاً أمام رسم هذه الخارطة، لأنه بدأ تفكيكها من إمارة غزة الإسلاموية التي تلعب دوراً تخريبياً محورياً، بعدم قبولها تنفيذ المصالحة، ما يعني عملياً القبول بالصفقة بطريقة غير مباشرة، اعتماداً على أن عدم حضور السلطة الفلسطينية لمؤتمر وارسو لم يعد يُشكل عقبة أمام صفقة كوشنير، التي يأملون واهمين أنها ستنتج حلولاً نهائية لـ"غزة" ككينونة سياسية مستقلة، تمهيدًا لأن تكون نواة الدولة الفلسطينية، يحكمها اتفاق مع مصر وتهدئة مع إسرائيل، وأمّا الضفة الغربية، فإنها ستمنح أقل من دولة وأعلى من حكم ذاتي وربما برابط إقليمي مع
الأردن.
جاء مؤتمر "وارسو" ليشكل حلقة من حلقات صفقة القرن، ولم يكن ضرورياً أن يتم الإعلان عنها خلاله، والواضح أن هذا المؤتمر كان مُكرساً لإنخراط بعض العرب في هذه الصفقة، وتأمين التغطية المالية لذلك، وبديهي أن هناك إدراكا فلسطينياً تجاه هذا الاجتماع، وكان القصد من تصريحات مسؤولي السلطة، بألا يمثل الفلسطينيين إلا منظمة التحرير، هو قطع الطريق أمام أي دولة لتتذرع بأنها جزء من "الجامعة العربية" ليتم تمثيلها للفلسطينيين في هذا الشأن، فيما تبحث واشنطن عن آخرين على استعداد للعب هذا الدور، والمؤسف فعلا أن هناك اتجاهاً لتطبيق الصفقة بدون موافقة القيادة الفلسطينية
، في ظل مقاطعتها للولايات المتحدة بعد القرار الجائر بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، إذا اعترفنا بأن القدس الغربية جزء من الدولة العبرية، وعلينا هنا ملاحظة أن تنفيذ الصفقة بدأ على الأرض، من خلال الحصار على منظمة التحرير والسلطة، وإبتزازها مالياً، بالتزامن مع إجراءات إسرائيلية، هدفها إضعاف السلطة.
وبعد، فان خطط واشنطن تمضي بالسعي لإسقاط مبادرة السلام العربیة أولاً، ومنح دولة الاحتلال مكافأة التطبیع العربي معها مجاناً، واستبدال العدو الإسرائیلي بعدو وهمي هو إیران. لكن لا یبدو أن نتائج وارسو تسیر بهذا الاتجاه، فالحالم فقط هو من یعتقد بأن حل القضیة الفلسطینیة یمكن أن یتم بدون رضا قیادة الشعب
الفلسطیني.
والواهم من یعتقد بأن إسدال الستارة على أحلام الفلسطینیین یتم بدون قیام دولتهم الوطنیة وعاصمتها القدس الشرقیة، صحيح أن أمیركا قادرة بجبروتها أن تجلب عشرات الدول إلى مؤتمرات سلام وهمیة، لكنها لن تستطیع أن تجبر الفلسطینیین على التنازل عن هدفهم بالعیش بسلام في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقیة
، رغم كل المخاطر والتحولات الهائلة والتحالفات الجدیدة المخیفة، والتغییرات الدمویة في خرائط الإقلیم. والحقیقة إن سطوة واشنطن وغطرسة ترمب لیسا قدراً، ولنثق أنه دائما تتوفر فرصة سانحة أو أكثر أمام الغریق للنجاة، لكن المهم أن لا ییأس أو یستسلم لقدره.