النمو السكاني

اقتصادية 2021/06/16
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
يتحدث الكثيرون، بخوف، عن حالة النمو السكاني التي يشهدها العراق، الى درجة ان البعض يصفها، بالانفجار، ومفردة الانفجار هذه من شأنها ان تثير مخاوف الناس، فيتخيلون المشهد، بحصول مجاعة شديدة، مثل تلك التي تشهدها بعض دول افريقيا!!
والحقيقة أن الأمر مختلف تماما، وليس ثمة مايثير الرعب الى هذا المستوى، صحيح ان النمو السكاني في العراق، مازال مرتفعا بالمقارنة مع بلدان أخرى، ولعله يعد ثاني أعلى نسبة نمو بعد مصر، وهذا ناتج عن ارتفاع معدلات الخصوبة لدى السكان، فضلا عن منظومة القيم الاجتماعية، التي تحكم سلوكيات المجتمع في هذا السياق، وما توارثته الأجيال من طبيعة العمل الزراعي الذي يتطلب المزيد من الأيدي العاملة، اذ الثابت ان انحدار غالبية المجتمع العراقي، هو من بيئة ريفية زراعية.
أما لماذا الحديث عن عدم وجود مبرر للخوف، من هذه الزيادات السكانية، فأقول، إن المتتبع لمعدلات النمو، يجد تراجعا في هذه الزيادات، فقبل عقد من الزمان كانت نسبة النمو السنوية 3.3 بالمئة، أما الآن فقد انخفضت الى 2.6 بالمئة، ومن المتوقع أنها ستشهد انخفاضا يصل الى 2 بالمئة او اقل، خلال السنوات العشر المقبلة، وهذا يتضح من خلال لجوء الكثير من الأسر، لاسيما حديثة التكوين، الى تقليل عدد الاطفال والمباعدة بين الولادات، فكثير من تلك الأسر باتت تكتفي بطفلين او ثلاثة في أبعد تقدير، وهذا مؤشر ايجابي، يشير الى ان الأسرة العراقية، بدأت تدرك اهمية البعد الاقتصادي، في ترتيب ظروف حياتها، وهذه الثقافة التي تتطلب المزيد من الحملات التوعوية، لترسيخها كسلوك اجتماعي، تجنب الدولة، اللجوء الى تشريعات تحديد النسل، الذي من شأنه ان يخلق مشكلات اجتماعية تظهر آثارها بعد عدة أجيال، عندما يشيخ المجتمع ويصبح غير قادر على العطاء، فيفقد البلد، التأثير الايجابي لرأس المال البشري، كما يحدث في الصين اليوم، بعد أن بلغ عدد كبار السن  فيها أكثر من 250 مليون يشكلون 19 بالمئة من المجتمع الصيني، وهم في تزايد، الامر الذي اضطر الحكومة الصينية الى اتخاذ قرار برفع عدد الولادات المسموح بها الى 3 اطفال، في المقابل ان نسبة كبار السن في العراق (60 سنة فما فوق) تبلغ 3 بالمئة فقط، ومعنى هذا ان المجتمع العراقي هو مجتمع شاب، وبتنا قريبين من الولوج الى النافذة الديموغرافية، التي يشكل فيها الشباب نسبة اكثر من 60 بالمئة من شرائح السكان الأخرى.
أما لماذا عدم الخوف، مرة أخرى؟، فإننا ازاء معادلة، طرفاها الموارد البشرية، والموارد الاقتصادية، اللذان يحققان في نهاية المطاف اهداف التنمية، والمطلوب هنا هو كيفية تحويل الموارد البشرية، من عبء على التنمية، الى محرك دافع ورافع لها، وهذا يتحقق عبر مجموعة من السياسات السكانية بعيدة المدى، يأتي في مقدمتها تمكين الشباب، واستيعابهم من خلال توفير فرص العمل، وتأهيلهم علميا وعمليا، وهذا بطبيعة الحال يتطلب تحقيق شراكات واسعة وحقيقية بين القطاعين العام والخاص، وليس بعيدا عن الشباب، ينبغي النهوض بقطاعات السكن والصحة والتعليم، وتحسين الخدمات، فضلا عن تمكين المرأة، وتحقيق شراكات حقيقية مع أصحاب المصلحة 
جميعا.