القمة الثلاثية والأبعاد الستراتيجية

آراء 2021/06/28
...

 مهند الهلالي
لقاء الاقطاب او بلدان الممرات يكسب عادة اهمية ستراتيجية بالغة، كونه يعد نواة لموقف اقليمي يتعلق بالمنطقة او بشأن محلي كبير يخص تلك البلدان. العراق ومصر والاردن ليست دولا عابرة او غير مؤثرة، فبرغم تعرض هذه الدولة او تلك الى ظروف استثنائية، غير ان تلك الظروف لم تحل يوما بينها وبين اهميتها الجيوسياسية التي شاء الله تعالى ان تكون عليها، ومن ثم فان للبلدان الثلاثة ميزات تتعلق بأهميتها الجغرافية وما يترتب عليها من تأثير في السياسة الاقليمية، نتيجة لتأثير برها وبحرها وجبالها وجوفها وثرواتها وموقعها في تلك السياسة، ما ينتج من ثم تأثيرا مضاعفا في وفق منظور «الجيوبوليتيك» وهو فرع من فروع «الجيو ستراتيجيا» ويعني مسعى السياسة للاستفادة من الميزات الجيولوجية للبلد المعني او المنطقة او مجموعة مترابطة من البلدان.
 
ان الاهمية البالغة لهذه الدول دفعت قياداتها على مد العصور للعمل المشترك في العديد من القضايا سواء الاقليمية او المحلية والاستعانة ببعضها البعض لتجاوز الازمات لما يعطيها هذا العمل او التعاون من قدرة مضاعفة على تجاوز الصعاب.
ولعل ما يثبت كلامنا هو سرعة تجاوز اية ازمات دبلوماسية بين انظمتها السياسية وخصوصا في العصرين الحديث والمعاصر، فشأنها شأن اية دول اخرى تبرز على ساحاتها مشكلات تتعلق بسياسة احد انظمتها، إلا ان ما يميزها، هو قدرتها على تجاوز تلك المشكلات لاحتياج كل منها للاخر بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي المعتمد بشكل اساسي على العنصر البشري، اضافة الى الثروات الطبيعية والاهمية الجغرافية ما يصعب على اي من دولها الاستغناء عن الدولتين الاخريين.
الامثلة والادلة على ما تحدثنا عنه ليست بالقليلة، انما يمكن لنا ضرب بعضها الذي عاصرناه في زمننا الحالي، فلا يمكن نسيان تدفق الملايين من المصريين الى ارض الرافدين لسد نقص الايادي العاملة فيها بسبب حماقات النظام السابق وزجه البلاد بحروب اقليمية لا طائل منها غير الخراب، كما لا يفوتنا التذكير بالاتفاق الستراتيجي الذي عقد بين العراق والاردن لبيع الاخيرة النفط وبأسعار تفضيلية خاصة دعما للاقتصاد الاردني، هذا الاتفاق الذي ما زال ساري المفعول برغم تغيّر الانظمة السياسية سواء في العراق او الاردن، كما تعد الاتفاقات العراقية المصرية بخصوص مد القاهرة بمصادر الطاقة مقابل دعم العراق في مسعاه لتسريع عجلة الإعمار والبناء من خلال زج الشركات المصرية الكبيرة ذات الخبرة العالية المتخصصة بهذا المجال في السوق العراقية واعطائها الافضلية، ولا ننسى ان القرارات السياسية الستراتيجية الاخطر اقليميا تكون نواتها بين مصر والاردن كون الدولتين تحدان كيان الاحتلال الصهيوني من الشرق والغرب وحاجتهما الى العراق لدعم صمودهما امام الضغوط الغربية في بعض القضايا ذات الصلة التي تصل احيانا الى درجة الابتزاز الاقتصادي او السياسي للحصول على تنازلات ربما تمس احيانا 
سيادتيهما.
هذا الارتباط الاقتصادي السياسي جعل التعاون بين الدول الثلاث ضرورة ملحة لا اجراء تطويريا يتم بين اية دولتين او ثلاث او اكثر، وتصل احيانا تلك الضرورة الى درجة يمكن وصفها بأنها تمس الامن القومي لشعوب تلك الدول.
اذن نحن امام قمة جديدة تجمع قادة البلدان الثلاثة وهي تكتسب اهمية لا نبالغ ان وصفناها بالكبيرة، حيث تعقد في ظروف استثنائية تمر بها البلدان المذكورة ترتفع فيها درجة التحديات الى اقصى نسبها جراء ظروف سياسية وامنية واقتصادية ربما غير مسبوقة، كونها تمر في ظل مرحلة عدم استقرار عالمي وارتفاع درجة الاستقطابات الدولية المتضادة التي تدفع بالعراق ومصر والاردن الى رفع مستوى التعاون في المجالات كافة، بهدف تأمين مصالحها وحماية أمنها الداخلي سواء في المجالات الاقتصادية او السياسية، ولعل ذلك هو الهدف الرئيس لقيادات بغداد والقاهرة وعمّان في الظرف الراهن.
اخيرا.. لا يسعنا الا التذكير بأن قيادات هذه الدول امام مسؤولية كبيرة نظرا للتحديات الجمة التي تواجه بلدانها وشعوبها، وان تقديم المصالح الستراتيجية العليا بات ضرورة لا رجعة عنها، في ظرف تواجه فيه بلدان المنطقة برمتها ازمات غير مسبوقة بعضها يهدد كياناتها المجتمعية وهيكليتها الادارية، فضلا عن ان الدول الثلاث تشهد تراجعا حادا وخطيرا في المستويات كافة، فتجاوز التقاطعات والعمل على تعزيز المشتركات نراه خيارا لا بديل عنه خلال المرحلة الراهنة.