العنف العشائري ودائرة المسكوت عنه

آراء 2021/06/28
...

 غيث الدباغ
كما نعلم ان طبيعة انثروبولوجيا المجتمع العراقي مبنية على التمسّك بالأعراف والتقاليد القبلية والعشائرية وهي جعلت المجتمع متماسكاً ومتسامحاً وقوياً، اذ بُني على التسامح والتآلف وترك العداوة والنزاعات بين الافراد في المناطق الريفية،
 
لان الارض ملك للجميع والعيش عليها من حق أي انسان وفقاً للنظم والضوابط والاجواء المحيطة والتي يضعها رئيس القبيلة، وتعقد جلسات لرؤساء القبائل بشكل دوري من اجل مناقشة الاوضاع التي تدور في المنطقة ومعالجتها بشكل انساني، محترمين فيها النظام والاداء القانوني لحفظ امن المجتمع والسيطرة عليه، وان انتقال القبائل والعشائر من الريف الى المدينة ادى الى انتقال هذه العادات مع انجرار بعض منها نحو السلبية.
ولكن التغير الديموغرافي الذي عمل عليه بعد العهد الملكي للحد من هذه الظواهر استمر الى نهاية الستينيات، اذ عند دخول العقد السبعيني ولازدياد العرف العشائري رسوخاً وتوغلاً بشكل عنيف وفوضوي حتى تخلت البعض من القبائل عن رؤيتها وهدفها الانساني الى اخذ الحق بالقوة من دون الرجوع الى الانظمة والقوانين المرعية، وكما نستذكر ان في شهر ايار من عام 2015 حصل فصل عشائري بين عشيرتين بسبب نزاع ذكوري ما ادى الى تقديم اربعين امرأة ضحية كتعويض لقضية عشائرية وهذا الامر مخالف بشكل كبير للأحكام العرفية الانسانية والدينية والقضائية والحضارية وايضاً لقانون الاحوال الشخصية العراقي المرقم 188 وفق المادة 9 الفقرة 1 {لا يحق لأي من الاقارب او الاغيار اكراه أي شخص ذكرا كان ام انثى على الزواج من دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا}. استمر الامر من غير متابعة ومعالجة حتى وقعت وصمة بهذه الايام المنصرمة ادمت قلوبنا، اذ تم تقديم طفلة تبلغ من العمر بضع سنوات في جلسة عشائرية كفصلية، لان الافراد المتهمين لا يملكون ما يدفعونه لقاء اعتدائهم على الاخرين، فأي جحيم ستعيشه هذه الطفلة وهي لم تشبع من مسك دميتها واية مقايضة لا انسانية هذه. ان لغياب الوعي والرقابة القانونية اثرا كبيرا في تفشي واستفحال هذه الاعمال بالمجتمع العراقي فوقعت المرأة والطفل بين سندان العشيرة ومطرقة التقاليد المجتمعية فتهدى كقربان فداء او سلعة مقايضة لإنهاء الخلافات والنزاعات تحت مسميات {الجدمية، التلوية، الفجرية، المجفوتة} وبعضهن تُقتل وتُدفن بالسر تحت ذريعة غسل العار، والمطلوب تصحيح السنن العشائرية لتتوافق مع مبادئ حقوق الانسان والشريعة والعرف الاجتماعي.