د. كريم شغيدل
في الأسبوع الماضي سافرت إلى أربيل في رحلة عمل، وأقمت فيها أربعة أيام، واضح أنها تنعم بظلال النظام الفيدرالي الذي وفر لها ولمواطنيها فرص النهوض والرقي، فالشوارع الرئيسة جلها نظيفة، ونظام المرور من أروع ما يكون، والناس طيبون، الطرقات الخارجية التي تؤدي إلى الأماكن السياحية ممتازة، سوى بعض المساحات التي فيها أعمال صيانة، شلال (كلي علي بك) يعاني بعض الإهمال بسبب الأمطار ولأن الوقت ليس مناسباً للسياحة فهو مصيف، ويبقى في ذهني كما أشيع عنه أيام شبابنا بأنه لو كان في لبنان لأصبحت أجمل بقاع الكون، يبقى هذا الشلال العظيم من أجمل معجزات الطبيعة، بالقرب منه على الشارع العام هناك مجموعة مطاعم، تناولنا الغداء في أحدها، فوجئت أن خلفها شلالاً تتدفق مياهه من أعلى الجبل، فدفعني الفضول للسؤال: كيف سمحوا لكم ببناء مطاعم تحجب هذا الشلال؟! فكان الجواب: إن هذه الأرض ملكنا. وهذه طبعاً مشكلة على الجهات المعنية شراء تلك الأرض للحفاظ على جمال تلك الطبيعة الخلابة، أو معالجة الأمر بما لا يشوه أو يحجب ذلك الجمال الذي يمكن استثماره ليدر أرباحاً أضعاف ما تدره المطاعم.
شلالات عقرة أقل حجماً ومهملة نوعاً ما، ولا أدري إن كان السبب في تبعيتها لمحافظة دهوك أم لعدم أهميتها مقارنة بشلال الكلي؟ جبل كورك بقمته الثلجية التي يمكن الوصول إليها بوساطة العربات المعلقة (تلفريك) مدهش برغم الأجواء الممطرة وتساقط الوفر الذي أضاف سحراً للمكان، لكن رحلة العودة منه كانت متعبة بسبب تزاحم الزوار، ونحن في عز الشتاء، فكيف الحال في الصيف؟! أعتقد أن تلك المناطق بحاجة إلى مستثمرين سياحيين بإمكانهم أن يضيفوا لمسات جمالية وعملية بمستوى ما وهبته الطبيعة من جمال.
باستثناء المناطق القديمة والأسواق الشعبية، تتمتع مدينة أربيل بمسحة حضارية معقولة، وتعد (القلعة) من أفضل الآثار المستثمرة فيها استثماراً جيداً، هناك مناطق مخصصة لوقوف السيارات ولن يضطر أحد لدفع أجرة وقوف سيارته على الرصيف لمن يستغله كما هي الحال في بغداد، المولات الكبيرة واحدة من العلامات المميزة للمدينة، تدخلها وتركن سيارتك في مرآب المول مجاناً، أجور الدخول لبعض المناطق لا يتعدى الألف دينار، وفي بغداد أجرة وقوف سيارتك في الشارع العام أمام أي مطعم من ثلاثة إلى خمسة آلاف دينار، كل هذه الإيجابيات ممكن أن نتحمل من أجلها بعض تعرجات الطريق والاضطرار للسير في الاتجاه المعاكس في بعض المناطق وتحمل بعض المخاطر، لكن ما لا يمكن تحمله هو عملية الدخول، لا اعتراض على التفتيش لدواعٍ أمنية، لكنني أسفت على دفع رسم دخول عشرة آلاف دينار لأحصل على إقامة مؤقتة وباج دخول وتصوير وأنا في بلدي، وفكرت ساعتها بالعودة إلى بغداد، ووسط تذمر المزدحمين على نوافذ الإقامة تسمع بين من يهمس: لماذا لا نعاملهم بالمثل؟!