نهى الصراف
تقول قراءات وتكهنات العلماء ومسؤولي الصحة في العالم بأنَّ الوباء على وشك التلاشي، أو الانتهاء إلى صيغة غير مؤذية، بحلول نهاية هذا العام، هذه التكهنات التي جاءت على وفق قراءات لدورة حياة فيروسات وأوبئة سبق أنْ ضربت حياة البشر في الماضي
البعيد.
وبالفعل بدأت بعض مظاهر الانفراج الصحي والاقتصادي تظهر واضحة وإنْ كانت بسيطة خاصة في بعض دول العالم التي اتبعت إجراءات مكثفة لتطعيم
أكبر عددٍ من سكانها بلقاح فيروس كورونا، على الرغم من أنَّ الفجوة في التصدي للوباء قد اتسعت بينها وبين أغلب دول العالم الفقيرة، إلا أنَّ المحصلة النهائيَّة، بحسب متخصصين، ستؤول إلى الحساب الزمني الذي يرتبط بإتمام عامين كاملين من عمر
الفيروس.
ماذا بعد أنْ تمّر هذه العاصفة، ولا بُدَّ أنْ تمرَّ عاجلاً أو
آجلاً؟
فضلاً عن الانهيارات الاقتصاديَّة التي تسبب بها الوباء للأعمال والشركات الكبيرة منها والصغيرة على حدٍ سواء، فضلاً عن فقدان الملايين حول العالم لوظائفهم ومصادر دخلهم ومثلهم من فقد حياته أو حياة قريب أو صديق لا تعوض، فإنَّ مضاعفات (كوفيد طويل الأمد أو متلازمة ما بعد الإصابة بفيروس كورونا)؛ كما يصطلح عليه في الأوساط العلميَّة هي الأكثر مدعاة للقلق إذ إنَّها تشبه بقايا انهيار وتداعي كل شيء فور انتهاء عاصفة ما، والعاصفة هذه المرة أمعنت كثيراً في التخريب وحتى إنْ استغرق من البشر سنوات لتعمير وتعزيز ما تداعى وتخرّب، فإنَّ بقايا كوفيد طويلة الأمد سيبقى شوكة في أجساد من تعرضوا للإصابة به حيث ستقض مضاجعهم وتحرمهم لذة الحياة أو ما تبقى من رحيقها في قعر الكأس.
بحسب متخصصين، تتنوع أعراض كوفيد الأمد بين الإعياء وتشوش الذهن، مشكلات في النوم خاصة النوم المتقطع، ضيق التنفس، الخفقان وعدم انتظام ضربات القلب، اضطرابات القلق والاكتئاب، فقدان حاسة الشم حيث لم يستعد نحو ثلث المصابين
في دراسة حديثة حاسة الشم لأكثر من شهرين، فقدان الشهية واضطرابات الجهاز الهضمي، طفح جلدي وحساسية من بعض الروائح، آلام المفاصل والعضلات، إضافة إلى أعراض غير شائعة لم يتمكن العلماء بعد من قياسها أو تأكيدها مثل طنين
الأذن.
وبعد عام على مرور الإصابات الأولى بفيروس كورونا، ما زال عدد كبير من المتعافين، حتى أولئك الذين لم يتلقوا العلاج في المستشفيات جراء الإصابة، يعانون من عدم القدرة على ممارسة معظم الأنشطة اليوميَّة التي اعتادوا عليها قبل الإصابة، اللافت في الأمر أنَّ معظمهم شباب من كلا الجنسين ولم يسبق لهم أنْ عانوا من أعراض صحيَّة أخرى، كما أنَّ المرضى الذين لم ينقلوا للمستشفيات
أثناء تعرضهم للفيروس كان علاجهم من أعراض كورونا طويل الأمد أكثر صعوبة واستغرق فترة زمنية أطول.
على الرغم من تأكيد العلماء أنَّ ظاهرة إصابة الناس بأعراض مزمنة بعد تفشي الأمراض المعدية، ليست بالجديدة، إلا أنَّ إهمال هذه الشريحة المهمة من المرضى قد يؤدي إلى نتائج وخيمة سواء في ما يتعلق بصحة الأفراد أو المجتمعات، فإذا كانت فئة الشباب هي الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس طويلة الأمد فإنَّ من شأن هذا الأمر أنْ يلقي بظلاله على سوق العمل أيضاً، بينما المرضى الذين لا يحظون بالرعاية الصحية المناسبة لمعالجة هذه الآثار أو تقابل شكواهم بالإهمال، من الممكن أنْ تتجه أفكارهم لمحاولة التخلص من حياتهم، وللأسف، فإنَّ عدداً من مرضى كوفيد طويل الأمد قد أنهوا حياتهم
بالفعل.