شجون الوطن بعيون «عرب أمريكا» لكلاديس مطر

ثقافة 2021/07/10
...

 دعد ديب
 
يطبق علينا الواقع بكوابيسه وهمومه فنهرب إلى الأدب ونحن نروم فسحة نفسية مريحة، لنفاجئ بأنه يعيدنا إليه من أوسع أبوابه، هذا الواقع الموجع الذي أعادتنا إليه الكاتبة كلاديس مطر بروايتها «عرب أمريكا» الصادرة عن دار عقل  لعام2018، بادئة بالعنوان الذي يشي بمضمونها، عن العرب، الذين هاجروا إلى أميركا وحازوا على جنسيتها، ومن ينتمون لأصول عربية والمقيمين فيها، الموضوع الذي يشكل مروحة واسعة لرصد أفكارهم وتصوراتهم، ويطل بالوقت ذاته على الأحداث الدامية، التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية، حيث تتبع الكاتبة  أسلوب السرد الذي يتناوب  بين صوتين سرديين، صوت أميرة عز الدين الأستاذة الجامعية المندية إلى الجامعة الأميركية بحديثها عن ذاتها وتجربتها  الشخصية، وصوت الراوية العليمة التي تتحدث عن البطلة وتشرح الانطباعات والتحليلات عنها وعن باقي الشخوص، لتتنقل عابرة للأمكنة  والجغرافيا لتصور لنا تفاصيل الأحداث والنفوس في أكثر من مكان، وتتحرك بين الشخوص وتشرح وتفسر وتعطي الأحكام والرأي النهائي في الأمور العالقة،  في رؤيتها للزلزال السوري ومسببيه ومرتكبيه والقائمين عليه، وأعتقد هنا أن شرح الأمر،  أي أمر لمن يعرفونه ذلك أهون السبل وأسهل الدروب،  ولو كان الأمر بهذا الوضوح لما عانت البلد ما عانته،  نفتقد هنا الرأي الآخر بلسان صاحبه وليس برأيها أو رأينا وما الخيبات التي عاناها الأبطال الآخرون، إلا رأي وحيد الجانب،  في حين أن البطلة الرئيسة لم تعان أي تغيير في قناعاتها، مما أعطى للشخصية ثباتًا يفتقد للتنامي والتطور المفترض.
الشخصيات التي دارت في فلك البطلة، تتقاطع كلها في آرائها ومواقفها المعاكسة لأميرة الباحثة، ولكل منها حكاية تعيدها إلى مفصل كارثي وكأنه عقاب الكاتبة لكل من رأى خارج رؤاها.
كمثال فاضل الهاشمي رئيس المركز «عراقي تأمرك من أصول ماركسية» يكيل المديح عبر الشاشات لربيع عربي دموي، وعندما يثمل يخزه تاريخه المثقل بضميره ليعيش ازدواجية تنتهي به إلى الزهايمر أو لمشكلة الجيل الذي نشأ في الغرب وتقلبهم بين انتماءين وتشظي الذوات لديهم (شيرين ابنة امام – عمر ابن سام) 
شيرين الابنة  التي ترتبط بيهودي تبعد وتختلف مثله وأخلاقه عن عادات وأخلاق الشرق مما جعل أباها يقرر الرجوع إلى بلده الذي سبق أن لفظه،  والآخر سام موريسون الذي حاولت زوجته أن تربي ابنها تربية محافظة انتهت به إلى الالتحاق بصفوف داعش في سورية، حيث سرعان ما صدمه الواقع الذي اختلف مع فكرته المتوهجة عن الجهاد ضد الكفار، وما رافقه من أسلوب غسل الأدمغة لإقناع الشباب بالعمل الذي يزعمون القيام به، إذ يفترض أن (يعلمه كيف يكون مقاتلًا وليس قاتلًا) هذا القول لا يمنع صاحبه أن يأخذه لبيوت الدعارة، وهنا أعتقد أن إقحام عمر بالدخول إلى بيت دعارة ليس مقنعًا، وجهاد النكاح والزواج والتطليق قائمًا على قدم وساق،  ولن يفوت القارئ النبيه أن يستنتج بأن ذلك  الجهاد هو شكل من أشكال الدعارة المقنعة، والراوية العليمة دومًا تسبق القارئ في الاستنتاج واستخلاص العبر، خاصة عندما يفاجئ عمر بأرض الجهاد بما يخالف ما تخيله عنه كصورة للشباب المغرر بهم مما يفقد العمل بريق السرد المتشوق للتفاعل مع العمل.
 هذه النماذج رأيناها كلها من وجهة نظر واحدية الاتجاه، ماذا عن الآخر الذي ما زال مقتنعًا ومتشبثًا بآرائه؟ ماذا عن الصراع والشرخ الاجتماعي الكبير؟. 
طبعًا يشكر للكاتبة جرأتها بالتصدي لموضوع واسع وحي ومستمر بكل خلافاته وتلاوينه والإضاءة على المشهد المحلي «الصواريخ كزخ المطر مرت بها دمشق ومرت بها حمص» مع اعتراضي على المباشرة في الطرح والتحليل السياسي التقريرين، فمثلًا عندما تفكر أميركا بتحقيق الاستقرار ببلد ما يكفي أن توقف تمويل جماعتها، وهذا كلام بعيد عن اللغة الأدبية التي كان حضورها عاديًا، وإن كان بعضها لافتًا على غرار قولها (لم يعرفوا إلى أي جهة عباد شمسهم أن يتطلع - تحولت الفيلا بمدعويها وعازفيها وخدمها وأضوائها إلى مكعب يترجرج يمينًا وشمالًا مؤرجحًا الكل معه).
نلاحظ أن شخصية حمد كمّروج للجهاد، شخصية تنطبق على الكثيرين، وليس بالضرورة أن يكون مثلي الميول، ليس من الضروري أن نربط المثلية بمواقف فكرية أو سياسية كمؤشر للسقوط الإنساني، ولربما كانت موضوعا نفسيا مستقلا، وكان من الأفضل في حال توفرت هذه الصفة أن تكون مستترة وليس علنية، كشكل من أشكال التناقض والازدواجية بالشخصية التي ترسمها، وعمومًا أصحابه -أصحاب حمد- لديهم جهاد النكاح وأعتقد أنهم لا يحتفون كثيًرا بالمثلية.
إشارتها للأراضي السورية المحتلة من قبل تركيا «غازي عنتاب أرض سورية أعطتها فرنسا لتركيا 1920» قد لا يكون من المناسب تناول الأمر بهذه العجالة لموضوع بهذه الحساسية، ربما لو تطرقنا للأراضي السورية التي احتلتها تركيا، لاحتاج الأمر لصفحات طوال لأنه تاريخ كامل من الانتهاك يحتاج مراجعة دقيق على درجة كبيرة من الوعي لقضايانا المؤجلة وقرع جرس الذاكرة والوجدان لقضية مغيبة 
وهذا بحد ذاته هدف رئيس للفكر والأدب. 
قضية المرأة المثقفة والفاعلة وقضايا حقوقها وتحررها ختمتها برأي شرقي ملتبس بدلالاته، بعبارة تشرح إحساس مارك (المرأة المستقلة تصيبه بالصميم) و(أميرة تحب أن تكون ملحقة به لا كجارية بل كحبيبة) حبذا لو وضحت لنا الكاتبة ما هو الفرق بينهما، لأن كل القضايا التي يتم بها نكران حقوق المرأة وإجحاف دورها في المجتمع تمر من خلال المفاهيم السامية كالحب والأمومة وخلافها، لا نستطيع أن نتجاهل المعنى الكامن ما بين السطور.
لعل استثمار فكرة عمود نير الجواميس أو آليتها الدفاعية والهجومية معًا عندما تتعرض لما يصدم تفكيرها وعقلها كأداة رمزية تواجه بها كل هذه المكابدات والمتناقضات عبارة عن صورة انفعالية عن واقع، لم يعد باليد رسم حلول له وإنما أضعف الإيمان أن يضيء الطريق بكشف عقده السوداء ويعمل على تفكيكها.