سينما الهلاك.. اتجاهات وأشكال السينما الصهيونية

ثقافة 2021/07/11
...

 عواد علي
بالرغم من مرور نحو 30  عاماً على صدور الطبعة الأولى من كتاب( سينما الهلاك: اتجاهات وأشكال السينما الصهيونية)، للناقد السينمائي المصري أمير العمري، فقد أثبتت الأحداث أنه كان ولا يزال صالحاً، لأن مادته الأساسية لا علاقة لها بأي تسوية، فلم يكن الهدف من إصداره، أصلا، الإسهام في دعم موقف سياسي بعينه في ظرف (تكتيكي آني)، بقدر ما كان يهدف إلى الدراسة المتأنية لظاهرة قائمة ومرسخة ستظل تلقي بتبعاتها على مستقبل شعوب المنطقة ربما لعشرات السنين القادمة، ويجب أن يكون التعامل معها على صعيد (ستراتيجي) أي أبعد في مداه بالقطع عن اللحظة الآنية.
أدخل العمري في طبعة الكتاب الثالثة، الصادرة حديثاً عن دار خطوط وظلال في عمّان، الكثير من التحديث، خاصةً على الفصل الثاني (هوليوود وإسرائيل)، والفصل الثالث (سينما الهلاك)، والفصل الثامن (سقوط الحلم الصهيوني)، والفصل التاسع (التقاط الأشلاء)، كما حرص على إجراء بعض التحديث وتطوير المعلومات في الفصول الأخرى.
يبين العمري في مقدمة الكتاب أن من الأفكار الشائعة في النقد السينمائي العربي، تلك التي تذهب إلى أن صناعة السينما في الولايات المتحدة نشأت منذ البداية طبقاً لمؤامرة يهودية لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهي فكرة يروج لها اليهود المتعصبون أنفسهم بغرض المبالغة في إظهار قوة تأثيرهم وعظمة نفوذهم.
ويرى أن هذه الفكرة، هي امتداد لفكرة أخرى شائعة عن وجود مؤامرة يهودية منظمة للسيطرة على العالم، وهي في حقيقة الأمر، ليست سوى الوجه الآخر للفكرة الصهيونية التي تقول بوجود مؤامرة دائمة ومستمرة ضد اليهود في كل العصور، وأن (العداء للسامية) هو نتاج طبيعي لوجود اليهود في (الشتات)، أي خارج (أرض الميعاد) المزعومة. وتتردد هذه الفكرة الأخيرة بانتظام في معظم أفلام السينما الصهيونية، ليست فقط السينما التي يصنعها السينمائيون اليهود في إسرائيل، بل السينما التي يصنعها اليهود وغير اليهود، في إسرائيل أو خارج إسرائيل، وفي أي مكان في العالم، وتتبنى بشكل مباشر أو غير مباشر الدعاوى الصهيونية، وتسوّغ قيام إسرائيل، وتدعم استمرارها على ما تتبناه من كل إنكار للوجود الفلسطيني، وتدعو الرأي العام إلى التعاطف مع الصهيونية. وقد تستخدم هذه السينما ما يسمى بالتراث اليهودي، أو خصوصية (المعاناة اليهودية)، من أجل تصوير إسرائيل كملاذ طبيعي أمام يهود العالم.
وقد أتاحت الإقامة لسنوات في بريطانيا أمام المؤلف الفرصة لمتابعة عشرات الأفلام القديمة والحديثة التي تتبنى بشكل أو بآخر الفكر الصهيوني، سواء ما يعرض منها في دور السينما العامة، أو ما يعرض من حين لآخر على شاشة التلفزيون، أو من خلال المهرجان السنوي المسمى (مهرجان الفيلم اليهودي)، الذي أصبح حدثاً منتظماً في العاصمة البريطانية منذ سبتمبر أيلول 1984، إضافة إلى ما شاهده من أفلام في المهرجانات العالمية المختلفة. وإلى جانب المشاهدات الحية المباشرة، استعان في وضع هذا الكتاب بما هو متوفر من كتب ودراسات وأبحاث ومقالات منشورة في عدد من الدوريات السينمائية. كذلك أتيحت له الفرصة لإجراء بعض المقابلات المباشرة مع عدد من السينمائيين الذين طرقوا في أفلامهم قضية الصراع العربي الإسرائيلي.
تركز معظم فصول الكتاب على العلاقة بين تأسيس (إسرائيل عام 1948 ) وظهور السينما الصهيونية داخلها وخارجها، دون أن يلزم العمري نفسه بـ (التأريخ) لهذه السينما، حتى يتحرر من قيود البحث الأكاديمي الذي ينحصر في إطار التاريخ وحده. 
 
مقولات شوفينيَّة
في الفصل الأول (العودة إلى الجذور) ناقش تفصيلاً المقولات السائدة حول وجود (ؤامرة يهودية) للسيطرة على السينما الأميركية منذ بدايتها. وكان الغرض التوصل إلى مفاهيم علمية محددة للعلاقة بين اليهود والسينما الأميركية بعيداً عن الأساطير والمبالغات التي يرى أنها تضر بقضايانا وتنزع عن الجدل في موضوع السينما الصهيونية الكثير من الحجج العلمية والمنطقية، وتجعل منه مجرد ترديد لمقولات شوفينية ضيقة الأفق، غير أنه لم يغفل إبراز التأثير اليهودي في هوليوود في إطاره التاريخي المرتبط بتطور منظور التوجهات السياسية والمصالح الأميركية، وهو الدور الذي يتناوله تفصيلاً في ما بعد في الفصل المخصص لدراسة العلاقة بين (هوليوود وإسرائيل).
ولم يكن الهدف من الفصول المخصصة لتناول الأفلام الصهيونية الاستعراض التاريخي المفصل لنشأة السينما الإسرائيلية وتطورها بقدر ما كان محاولة لرصد وتحليل الأفلام والظواهر والاتجاهات التي برزت في هذه السينما، في ضوء تطورات الصراع العربي الإسرائيلي خلال الأربعين عاماً الماضية، وبتركيز خاص على التأثير الكبير الذي نتج عن الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام 1982، ثم اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في أواخر عام 1987.
ولا يزعم العمري أن الكتاب يشمل استعراضاً لكل ما ظهر من أفلام في مجال السينما الصهيونية، فلم يكن الهدف من هذا الكتاب رصد أسماء الأفلام والمعلومات الكاملة عن صناعها، فهذا مجاله موسوعة علمية. غير أنه أورد عشرات الأمثلة والنماذج من الأفلام الصهيونية وصنّاعها طبقاً لمقتضيات الظواهر المحددة، التي يتناولها عبر فصول الكتاب والتي تخدم الهدف منه. وأغفل بعض الأفلام التي رأى أنها لا تندرج في صلب الظاهرة التي يتناولها، أو بسبب تكرارها الأفكار المطروحة في أفلام أخرى. وراعى تحديث المعلومات والتركيز على أحدث ما ظهر من أفلام ومسلسلات تلفزيونية في الغرب إلى ما قبل إعداد هذا الكتاب للنشر مباشرة.
وفي نهاية الكتاب، وضع العمري ملحقا يشتمل على بعض الوثائق المكملة للموضوعات التي تتضمنها فصول الكتاب، إضافةً إلى بعض المقابلات التي أجراها مع عدد من السينمائيين حول أفلامهم، التي تناولها في بعض فصول الكتاب، إلى جانب وثائق أخرى تُنشر أول مرة بالعربية.