أعمال ريم البحراني بين التفكيك والتركيب

ثقافة 2021/07/12
...

  د. حمد سلطان 
لدراسة أعمال الفنانة ريم البحراني النحتية بوجه الخصوص، نجدها تشي بتراكم عمودي من الأشكال.. من الأوطان... من الاحلام.. من الذكريات. ليست هناك نقطة بداية وليست هناك نقطة نهاية يمكن التوقف عندها في قراءة عمل الفنانة ريم وتأويله.
 
هي سلسلة من الاحداث تناسلت وترابطت وتوسعت كما تتوسع سلسلة البلمرة عند تفاعلاتها في بنائها المعماري، تمددت الاشكال بمرونة عالية، حيث تعددت القراءات بما هو شخصي وما هو عام. بما هو انساني وما هو خارج حدود الفعل الانساني، فليس هناك أثر غير اشكال هندسية مجردة تحيلنا لمعاني المساكن التي حملت احلام وآلام وشجن وحب وضغينة. فليست هناك مركز وليس هناك محور تدور حوله الأحداث (الأشكال) غير محور مفترض، تأخذنا فيه الأشكال في حركة كأننا في اعصار تنقلنا الأشكال من شكل لآخر، ومن احساس للآخر بحركة دورانية. اسلوب يحلينا الى التفكيك، حيث التشتت والالتحام حيث اللامركزية والتماثل، حيث الانتقال والحفر من الأسفل للأعلى ، ومن الأعلى للأسفل، من اليسار لليمين، او من اليمين لليسار، المسار محدد يمكن ان يسلكه المشاهد، غير مشاهدة حرة ودخول في عمق الدراما من أي نقطة على سطح المنحوتة، فليس هناك تسلل منطقي (أرسطوطاليس) في البناء الزمني للشكل المعماري، ليست هناك بداية او الوسط او النهاية، هو سلاسل ممتدة من الأحداث والأشكال والصور اسلوب فيه تعقيد عال وهندسة غير منتظمة وتفكيك للمنشآت المعمارية، ورغم الاختلاف بما تحمله من معان بين الأجزاء والتنوع في الاشكال، فالمعاني الداخلية والانتقال التدريجي من شكل لآخر، ومن حس للآخر جعل من العمل كتلة واحدة تحيل المعاني بعضها لبعض بتراكم وتشكيل زمني يفترضه المشاهد حسب قراءته للأحداث والأشكال في الأعمال النحتية لريم البحراني، تتحرك بعيدا عن الصلابة، فالخط مستقيم والسطح مستوٍ والتعارضات تقليدية، فالمنحوتات هي تفكيك للأشكال الواقعية (المساكن) سعت النحاتة الى تهشيمها وإلغاء أي مبدأ للتماثل والتناظر. وإزاحة تامة للمركزية تعطي احساسا بالإنسانية form في العمل، من ثم اعادة تركيبه بترابط وانتقالات مدروسة حسيا للسطوح والخطوط بشكل. والتناغم والانسجام عند دراسة اعمال الفنان ريم البحراني علينا أن نعرف أننا ليس امام فنان ترك التشكيل لفطرته، انما امام فنان قد درس مناهج النقد وتعلمها وعارفا بتأريخ الفن. فالفنانة ريم البحراني تحمل شهادة الماجستير في النقد الفني من احدى الجامعات البريطانية، لذلك ونحن ندرس أعمال ريم البحراني علينا ان ندرك ان هناك قصدية في الأسلوب والطراز، التي اتخذته الفنانة في تشكيل اسلوبها في هذه في اواخر Decostrution التجربة، ومنحوتاتها تحيلنا الى العمارة التفكيكية التي سادت في أوروبا بما يسمى طراز القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، فالانسان ينشأ وتنشأ معه الرغبة في تفكيك الأشياء. فهي حالة مرتبطة بالغريزة الإنسانية، من الطفولة والإنسان يفكك الأشياء التي تقع بين يديه ويسعى الى تركيبها مرة اخرى. وهذا الطراز من العمارة لا يعني الهدم، بل يعني اعادة البناء بشكل يرتبط بالفطرة. وهذا ما اجده في اسلوب الفنانة ريم في بنائها المعماري لمنحوتاتها، فهي تسعى الى تفكيك الأشكال وتركيبها من جديد، لتعطي معاني جديدة وحسا قابلا للتأويل. وبناؤها يسعى الى التماثل والاتساق في شكل أمتلئ بالمفاجآت.
 ريم البحراني فنان عربية من الجيل الثاني الذي اغترب في اوروبا/ ولدت وعاشت وتعلمت بعيداً عن أصولها العراقية، هذا الجيل لم يستقر في مكان معين لم يتشبع بالأماكن، لم يمد جذورا عميقة في الأماكن التي استقرت فيها، انما حملت في ضميرها كل العالم.. كل البنايات التي اهتزت بفعل حرب او زلزال واهتزت معها الصور المعلقة على الجدران، واهتزت معها كل احلام البشر وذكرياتهم. حملت في ضميرها ذكريات أسرتها المهاجرة وآلامها، حملت معها انتماءها الذي لم تجربه يوم ما. حملت معها كل بنايات العراق المهملة، وكل البنايات المهدمة في سورية، كل بنايات اليمن ومصر التي نخرها الفقر والعوزز حتى نفهم المعاني الخفية علينا تقصي كل الأشكال الهندسية التي تضمنها عملها الفني، وتقصي الضوء والظل والسطوح العميقة والسطوح الظاهرة. علينا تقصب التكوين الخارجي والتفاصيل المتراكمة بعضها فوق بعض. كلها تشي بأخبار وذكريات واحلام بشر عاشوا بين جنبات تلك الجدران، وتعاملوا مع كل تلك الأشكال الهندسية التي شكلت ماضيهم وحاضرهم، وتبقى تشير لكل ما حدث بعد يختفي ساكنوها. عرضت ريم البحراني تجربتها الأولى في معرض الدوحة، الذي ضم أعمالا مرسومة بالأسود والأبيض وضم منحوتات تحمل  الثيمة نفسها.
هذه الدراسة المقتضبة عن أعمال الفنانة ريم البحراني النحتية الفنانة التي ولدت ونشأت وتعلمت بعيداً عن الوطن الأم لأبويها، والتي تقدم نفسها فنانة تنتمي للإنسانية تحمل الجنسية السويدية وتعتز بأصولها العراقية.