حوكمة الخصخصة

اقتصادية 2021/07/12
...

محمد شريف أبو ميسم

تجارب الانتقال بالدولة من الاقتصاد الشمولي الى اقتصاد السوق، التي أفرزتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة، أثبتت لكل المراقبين في العالم، ان التحول غير المنضبط يفضي الى كثير من الفساد، في حين يكون تشريع القوانين الخاصة بنقل ملكية القطاع العام الى القطاع الخاص غاية في الأهمية بهدف تحديد ملامح شكل التحول بشفافية وغلق منافذ ولوج الفساد والاستئثار بالمال العام. 
وعلى هذا فإن آليات تنفيذ الخصخصة أحوج ما تكون لمعايير الادارة الرشيدة أو ما يسمى بالحوكمة، وبخلاف ذلك فان الغموض سيكون بديلا عن معيار الشفافية، والصمت والتعتيم سيكونان بديلين عن الافصاح، والتجاهل والفوقية يحلان محل الاستجابة لمطالب الناس، وتغليب المصالح الفردية والفئوية سيكونان عوضا عن معيار العدالة، والاستقواء والمحاباة سيكونان بديلا عن معيار المساءلة، واللا أبالية ستحل محل معيار المسؤولية في اتخاذ القرارات وادارة شؤون أموال العامة من الناس، وتتكرس الفئوية في محل الانصاف والشمول، في حين ستكون الطبقات الفقيرة بعيدة عن لعبة الخصخصة.
وقد آلت الأموال العامة في تجارب العديد من الدول التي عاشت النظم الشمولية ثم انتقلت نحو التعددية واقتصاد السوق، الى ذوي النفوذ والمتصدرين لحالة التزاحم السياسي على مواقع السلطة أو أتباعهم خلال مرحلة التكيف بدعوى الاصلاحات الاقتصادية. متخذين من الخصخصة اداة لتغيير هيكل الاقتصاد الكلي، وهو يشهد حالة الارباك جراء تقاطع العمل بين الموروث عن الدولة الشمولية وجديد ملامح السوق، ما جعل العامة من الناس يستيقظون على نظام اقتصادي يقوده رأس المال الخاص، وتحل فيه سلطة المال محل سلطة الدولة على حين غرة، بدعوى الاصلاح الاقتصادي الذي يكرس وجود ما يسمى بطبقة «الكومبرادورية» التي تنشأ جراء هذا التحول، من طبقة الطفيليين، لتلبس رداء البرجوازية، ثم سرعان ما تتحالف مع رأس المال الاجنبي تحقيقا لمصالحها والاستيلاء على السوق الوطنية. 
من هذا المنطلق يكون القبول ببيانات الجهات التي تطالها أقاويل الخصخصة، وبخلافه فإن نفيا هنا، ونفيا هناك لا يستبدل نية الخصخصة من دون قوانين تضبطها معايير الحوكمة، حتى وان رفع فوقها يافطة الاستثمار، والفرق شاسع بين الاستثمار الذي يستهدف اضافة طاقات انتاجية جديدة من أجل رفع معدلات التنمية، وبين الخصخصة التي يحف بها الغموض والتجاهل والمصالح الفردية والفئوية، وينقصها الانصاف والشمول.