ضاحية حول «الجدر»

آراء 2021/07/25
...

 حارث رسمي الهيتي
 
منذ وقت ليس بالقصير وأنا أفكر جدياً بكتابة يوميات يقرؤها من هم اليوم أطفال، وحسبي بذلك أن العيش في هذا البلد كفيل أن يكون دافعاً كبيراً للكتابة على اختلاف مهمة الأخيرة، سواء كانت وسيلة من وسائل صناعة قناعات كفيلة بإحداث تغيير لواقعٍ لا أجد تعبيراً يناسبه، أو باعتبار أن الكتابة تنفيس لمرجلٍ يغلي دائماً، وهذا من شأنه أن ينهي حياتنا 
كمداً. 
أن نكتب للأطفال أو حتى للعالم، مع إيماني بعدم اكتراث الأخير لما يجري لنا هنا، ولكن هي محاولة لوضع الأخلاقيات على المحك، نكتب عن العراق، عن مشكلاته التي من المؤلم أن نتحدث عنها اليوم، أكتب الآن وهناك قرية صغيرة مثلاً تعاني من انقطاع الماء الصالح للشرب منذ خمسة أيام تحت درجات حرارة تصل الى نصف درجة الغليان، أكتب عن بلدٍ الى الآن يذهب أبناؤه ضحايا لمشكلات غادرها العالم منذ نصف قرن تقريباً، هل بامكان أحد هنا أن يخبرني بآخر حريق لمستشفىً على الأرض نتيجة انفجار قناني الأوكسجين؟ ولا شأن لي إن كان الحادث مدبراً أم لا، فثمة لجان للتحقيق في حيثيات هذا الحادث!!.
قدّر لي ومجموعة من أصدقائي أن نتعرف على رجلٍ يكبرنا بعقدين أو أكثر، تعرفنا عليه أيام الاقتتال الطائفي، أيام ما كانت المجتمعات تسيّرها الفتاوى والخطابات الطائفية، كنا نجلس في محله بعد عودتنا من الكلية، هذا المكان بالنسبة لنا ملاذنا الآمن، فهناك فقط كنا نقول ما نراه ونعتقد به من دون الخشية من عقاب الطائفيين، كان هذا الرجل يسارياً، وله تجربة مريرة في معسكرات الأسر في إيران، كثيراً ما حدثنا عن مآسي جيله، وكانت إجابته عن سؤال نطرحه في كل مرة مثيرة للضحك وقتها، لماذا لم تثوروا أو تتمردوا على مجرمٍ مثل صدام؟، كان يقول «صدام خلانا نركض ضاحية حول الجدر، وين اكو وقت تفكر بشيء ثاني» اليوم أتفحص هذه الجملة حرفاً حرفاً، وأقارنها مع جملة يقولها ايريك هوفر «إن الصراع اليومي للبقاء على قيد الحياة يحفز على الجمود لا على التمرد»، كم كانت الجملة الأولى أكثر صدقاً وأقرب للسياق العراقي في الماضي 
والحاضر!!